إبراهيم الوزير في ذكراه الأولى ..
لقد كنت أخشى عادي الموت قبله
فأصبحت أخشى أن تطول حياتي
هاهي الأيام تتساقط من حواشي الزمن كما تتساقط أوراق الخريف وتمر بما تحمل وما تلد مر السحاب وتطوي سجل الحياة فصلا بعد فصل فإذا الأمس القريب كالأمس البعيد .. كلاهما ماض لا يستعاد !.
وعام كأعوام فلا ما تصرم يعود ولا ما ذهب يرجع ولكن ” المعنى ” الحقيقي لحياة إنسان عظيم يظل حيا في الحياة لا يغيب وشاخصا في التاريخ لا يريم . وأي معنى أبقى على الزمن من ” معنى ” هو ” مضمون ” حياة و ” محتوى ” سيرة تجسد ـ أي المعنى ـ في ” رجل ” تجسدت فيه ” القيم ” التي لا تبلى و” المثل ” التي لا تمحى والصفات الإنسانية العليا تلك التي إذا اجتمعت لإنسان فقد اجتمع له وفيه ” معنى ” الإنسانية جميعا فهي فيه وهو بها ذكرى لا يمسها ذبول ولا يمحى لها أثر ..
عام مضى على رحيل إبراهيم بن علي الوزير .. الرجل الذي أقض مضاجع الطغاة وزلزل أركان العالين في الأرض بصرير قلمه وجلال مواقفه وصادق جهاده من أجل الشورى في الأمر والعدل في المال والخير في الأرض .. ما حاد عن الطريق إلى أهدافه يوما . ولا تقهقر عن مواقفه المتقدمة خطوة ولا نأى بنفسه عن مواطن الفداء والتضحية .. في الأمام دائما من أجل العدل والحرية والمساواة والحياة الكريمة لأمته ولبني الإنسان قاطبة حتى استقر به المسير المجيد في ” البقيع ” أطهر بقاع الأرض يوم الجمعة المبارك من شهر رمضان الكريم العام الذي فات .. بعد أن أدى رسالته وبذل من ذات نفسه وماله وجهده وجهاده وفكره وعلمه .. وليله ونهاره أنبل وأوفى ما يبذله إنسان ..مخلفا وراءه إرثا من سيرة عطره حافلة بضروب شتى من أعمال الخير وصفحات رائعة من ضروب الجهاد الذى جعل من حياته مثلا يحتذى وسراجا يستضاء به وتاركا ثروة فكرية نادرة المثال غنية المحتوى بالغة التأثير واجتهادات تضيء طريق الحياة لمن يريد السير في هداية الوحي والعقل معا ..
لقد مضى عام على رحليه .. وسوف تتعاقب الليالي والأيام فلا يطفئ تعاقبها حزنا لا يوصف وشعورا بالفجيعة لا يحد يملأ أقطار هذا القلب المهدود .. وأعرف أنه يملأ قلوبا كثيرة عرفته وأحبته وتعلقت به . وأعرف أن الحياة بعده لا طعم لها البتة وأن الدنيا ليست هي الدنيا التي كانت ..
ومع ذلك .. مع هذا ” الكم ” الهائل من الأحزان التي تتراكم كل يوم بل كل لحظة . وتزيد ولا تنقص فإن ذلك ” الكيف ” من النوعية الإنسانية النادرة التي اجتمعت له وفيه يظل ساريا في الحياة غير محدد بعمر ولا مقيد بزمن ولا محصور في مكان ..
هكذا نفتقده بكل قوة ولا نبعد عنه أو يبعد عنا بكل محبة في لقاء عجــــيب بين ” افتقاد ” لافح وصارخ و” حضور” بهي وجليل لقا لا يتكرر في واقع فاقد ومفقود ..
وحر قلباه ! لقد ذهب وبقيت ومضى وتخلفت وقد اجتزنا الحياة خطوة خطـوة معا . واجهنا الموت مرارا معا . وطوتنا سجون الظالمين معا . وتقاذفتنا المنافي المختلفة جنبا إلى جنب وبلونا من الحياة مرها وحلوها معا . وبلونا الناس خيرهم وشرهم معا .. وكان – في ذلك كله – القدوة .. المعلم والقائد . الأخ والأب . الصديق والرفيق .. الرائد الأمين ..
ومع ذكره وذكراه تتوافد بلا انقطاع صور لا تحصى ومواقف لا تعد وذكريات لا تنسى ودروس تستعاد وتملى وما الحديث عنها اليوم بمستطاع .
أبــكـــي عليـــه كـــلما أشـــرقـــت
شمـــس وأبـــكـــي كــلما تغـــــــرب
ولم يـــزل حــــزني على حـــــــاله
يقـــظان لا يغــــفو ولا يتـــــــــــعب
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وإنا لله وإنا إليه راجعون .