حرب من الفضاء الخارجي !
ونحن نمخر عباب الفضاء الإلكتروني أو ننتقل عبر المحطات الفضائية التلفزيونية تمر علينا أخبار وحوادث وقعت في إحدى مدن بلادنا فنتصلب أمامها مذهولين لتلك الطاقات الإبداعية في التضليل ولذلك السبك الإعلامي المتقن ..
تحدثنا مذيعة القناة عن أحداث جرت في منطقة قريبة من الشارع الذي نسكن فيه وأحيانا من الشارع نفسه فنفرك جباهنا مصدومين بفداحة الدجل الذي في مقدور طاقم الأخبار ترويجه وبيعه للمستهلك البسيط الذي يقطن بعيدا قليلا عن شارعنا الصغير.
ومع ذلك ولأننا خلق يتأثر ببساطة .. ولكوننا بالفطرة في سجال دائم بين خطاب عقولنا وعاطفتنا فإنه أو أن تغول الأخيرة على ردود أفعالنا يفعل الخبر مفعوله السلبي ويسري في معنوياتنا إلى أن نجد أنفسنا لا إراديا في حال محبطة ونبدأ بالتذمر والهلع وإطلاق التهم في كل صوب ولو كان ذلك الخبر مجرد إشاعة لا يصدقها العاقل أو لا أساس له من الصحة.
ذلك أمر والأمر الآخر كوننا شعب قاس أكثر من غيره من ويلات الإعلام بشقيه الخارجي والمحلي خصوصا بعد العدوان الجبان وإعلامه المنافق والذي اكسبنا خبرة من صدامنا المتواصل مع أخباره المفبركة الجيدة الصياغة والحق يقال .. هذا بخلاف اكتسابنا أمراضا جراء تزاحم الأخبار الرديئة المحلية الصنع والتي يقوم بعجينها العملاء في الداخل بطريقة فجة وبدائية وسخيفة تنم عن انحطاط ثقافي وعقلية متناهية الصغر حتى أننا من سماجتها صار بوسعنا تحديد برميل النفايات ضمن الشارع الذي تنتمي إليه سواء من الروائح الطائفية المقيتة الصادرة عنها أو الكلمات السوقية المبتذلة التي تتقافز من تلك العناوين العرجاء.
ومع هذا العناء فهناك جانب مشرق في هذه الأخبار الزائفة والفضل بعد الله عائد للعدوان وقنواته التآمرية طبعا دون أن ننسى شكر جنوده الأغبياء في الداخل .. أما الجانب المشرق والمضيء بالنسبة لشعبنا هو أننا لفرط ما كذبوا علينا أصبحنا نمتلك مناعة فولاذية ضد ما تدسه وسائلهم الدنيئة من سموم وضغائن وأحقاد..لقد صار كل يمني تقريبا قادرا على تمحيص الأخبار المضللة والطعن في مصداقيتها بل وتحديد أعراض الكذب في مضامينها بنمط علمي وعقلاني. بات اليمني الحر -وله أن يفخر بهذا- يعرف جيدا من أين يستقي الأخبار الموثوقة وغير المزيفة وذلك لأنه قد ارتقى إلى منزلة رفيعة من الوعي الذي يطلق عليه علم الاجتماع “التلقي السليم”.والمتلقي السليم أو المستقبل السليم تعريفه هو المتزن الذي لا تجرفه العاطفة والتعصب الأعمى حيث يستشير عقله بتدبر عند تلقيه الأخبار أيا كان مصدرها ويسعى إلى استقاء الخبر ذاته من مصدرين متعارضين على الأقل حتى يختار الإثبات أو النفي وبذلك يصل إلى اقتناع كلي بمضمونها وعكس ذلك المتلقي العليل أو المريض وهو السهل الاختراق الذي يتأثر فور تلقيه الخبر المفبرك لذا يتقلب في مواقفه وآرائه بسبب تلقيه السلبي بل وقد يصل به الأمر لكي يتحول إلى متعصب للفكرة المهزوزة ويصير جنديا في جبهة خاطئة وأحيانا قد تكون ضد الخير لنفسه ولجماعته والناس أجمعين.
وذلك بطبيعة الحال أمر مقلق حقا لكن الأكثر إقلاقا هو أن يتماهى معه الحال مع تلك الفكرة التعيسة لأن يتخلى عن مبادئه وأخلاقياته التي نشأ عليها منذ الصغر وذلك بسبب تعارض تلك الأخلاقيات مباشرة مع الفكرة المشوهة التي اعتنقها مؤخرا ويجد نفسه في نهاية المطاف شخصا بلا رسالة واضحة من جراء تناقضاته التي لا تتوقف إلى أن يخسر مصداقيته ورأيه ومروءته غالبا ويفقد حتى تجاوب الآخرين مع قضاياه الملفقة والمتقلبة كل حين بسبب مؤثرات خارجية ذات أواصر ركيكة وسند ضعيف.
وهؤلاء ورغم أنهم ضحايا التدبير الماكر إلا أننا لا نلتمس لهم عذرا على الإطلاق لأنهم تجاهلوا صوت الداخل وأصغوا للخارج الذي يمارس علينا هذه الأيام حربا فضائية بامتياز.. وهنا لست أعني قصف الطائرات الجبانة من الفضاء الخارجي وإنما أقصد حرب القنوات الفضائية والمنابر الإعلامية المدفوعة الأجر والتي تعمل على زعزعة ثقتنا بقوتنا وبث الخلاف بيننا ما استطاعت إلى هذا سبيلا .. فلم يعد هنالك شك لمن يتأمل ما ورائياتها الخبيثة بأن خلف الشاشات تعمل خلية من الخبراء النفسيين والاجتماعيين ذوي الشهادات الرفيعة الذين يوظفون معرفتهم في طاعة الشر بدل أن يسخروها في جنب الخير وصلاح البشرية وتعايشها ولأسباب مادية مع شديد الأسف.
وهؤلاء لسوء الحظ لن يجدوا أكرم من قرن الشيطان يبذل المال بسخاء لهذه المشاريع المنحرفة وهو لن يقصر معهم ومع كل ذي نفس رخيصة وقلب عليل .. أقول: لن يفتأ كيد الشيطان يحشد كل مخزون العالم من الشر والقبح لتسليطه علينا بغية إلحاق الهزيمة بنا وبعزائمنا الفتية وصبرنا الجميل.
لن يتوانى عن ارتكاب الجرائم المروعة التي لا تعبأ بالدين والأخلاق ولا تكترث للإنسانية ولن يتوقف عن حصارنا الجوي والبحري لحرماننا من حقنا في الحياة الكريمة .. كما أنه لن يصمت بتاتا عن تلفيق أخباره المزيفة لتدمير أخوتنا ومعنوياتنا العالية وتقويض ث