نيويورك تايمز:السعودية التي لا تختلف عن داعش روحا ومنهجا
لمياء الخالدي عالمة آثار في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي الذي يعمل على تنقيب ومسح الآثار بشكل رئيس في اليمن وسوريا ولبنان
لأكثر من 10 أعوام كنت واحدة من عدد من علماء الآثار الأمريكيين واليمنيين في مسح وتنقيب المواقع التي يرجع تاريخها إلى الممالك العربية الجنوبية الأسطورية وما وراءها إلى عصور ما قبل التاريخ. كنا أعضاء مشروع المسح بذمار التي أجرتها جامعة شيكاغو وسميت على اسم مدينة تاريخية في المرتفعات اليمنية.
أمضى الفريق عقودا لاستكشاف الآثار الصخرية الرائعة والمدن المسورة للحضارة التي بنيت فيها المدرجات الزراعية في وقت مبكر من الألفية الثالثة قبل الميلاد وهو التقليد القديم المحفور بشكل مذهل على مساحة كاملة من الجبال الشاهقة في المنطقة وكأنها خريطة «طبوغرافية». وجمع هذا المشروع الآلاف من القطع الأثرية من أكثر من 400 موقع بما في ذلك الأدوات والأواني الفخارية والتماثيل والنقوش في اللغات العربية الجنوبية القديمة.
تأكدنا أن كل هذه القطع الأثرية هي أدلة على الثقافات القديمة التي تم تداولها على مسافات كبيرة خلال فترة العصر الحجري الحديث والطرق التي بنيت في نهاية المطاف إلى ربط مدن المرتفعات بطرق تجارة البخور الرئيسة وأودعت في المتحف الإقليمي بذمار. وهناك تم استعادتها ودراستها من قبل فرق أجنبية وعلماء الآثار اليمنية.
وفي غضون دقائق تم طمس هذا المتحف من الجو. تم سحق هذا العمل الفريد الذي قام به الحرفيون القدماء والنحاتون والكتبة والخطاطون.. ناهيك عن الجهود المبذولة من الباحثين اليمنيين والأجانب الذين كرسوا سنوات من حياتهم لدراسة وحفظ هذا الإرث. المتحف والقطع الأثرية البالغة 12500 تحول إلى أنقاض بفعل القنابل السعودية.
منذ شهر مارس شنت المملكة العربية السعودية حملة واسعة النطاق من الهجمات الجوية على جارتها بهدف دحر مقاتلي الحوثي وإعادة هادي للسلطة. وعمليات القصف الجوي هذه لم تتمكن من عكس مكاسب الحوثيين لكنها نجحت في تدمير اليمن واحدة من أفقر البلدان في العالم العربي. ناهيك عن قتل وجرح الآلاف من المدنيين وتشريد مئات الآلاف وسط نقص حاد في الغذاء والوقود والإمدادات الطبية.
وتبين من هذا القصف وجود نمط في استهداف مواقع التراث الثقافي في البلاد التي قدمت مساهمات غير عادية لحضارة العالم. مهند السياني مدير المؤسسة العامة اليمنية للآثار والمتاحف أكد لي عبر البريد الإلكتروني أن 25 من المواقع والمعالم الأثرية والحضارية تضررت أو دمرت بشدة منذ بداية الصراع.
ويعتبر العديد من المراقبين أن اليمن هي المنزل التاريخي للملكة سبأ واليمن إحدى جواهر العصور البشرية القديمة العظيمة بموروثها للمعابد الرائعة ومشاريع إدارة المياه والمدن الشاهقة التي يرجع تاريخها إلى آلاف السنين. هذه الثروة الثقافية لا تقتصر على المواقع الأثرية فحسب بل إن ثلاثا من مدن اليمن على لائحة اليونسكو للتراث العالمي.
اليمن هي مهد الحضارة البشرية: ستون ألف سنة والتي منها بدأ الإنسان في وقت مبكر بالمشي. علماء الآثار مثلي وجدوا بقايا من ثقافات ما قبل التاريخ لمسافرين أبحروا البحر الأحمر والبحار العربية قبل 8000 سنة. هؤلاء المسافرون والتجار تركوا وراءهم المغليثية العريقة والمثيرة للإعجاب.
ثم هناك قمم التلال المسورة التي يرجع عمرها إلى عصور ما قبل التاريخ والمدن الضخمة التي كانت تحكمها الممالك العربية الجنوبية من الألف الأول قبل الميلاد كما يضم اليمن التراث الإسلامي الغني الذي يتضمن بعضا من أقدم المساجد المزينة والمزخرفة بإتقان.
وفي 12 يونيو المدينة التاريخية صنعاء التي تعتبر في حد ذاتها من مواقع التراث العالمي لليونسكو تعرضت لقصف من قبل السعوديين. هذه المدينة المأهولة لأكثر من 2500 سنة تحتوي على بعض من العمارة التقليدية الأكثر جمالا في العالم. لايمكن تبرير الاستهداف المتعمد للمنطقة المدنية في المدينة القديمة كما يثير تساؤلات خطيرة حول نوايا المملكة العربية السعودية في هذا الصراع.
عشرة مواقع أخرى في اليمن على القائمة المبدئية للتراث العالمي لليونسكو: أحدها البلدة القديمة في صعدة عانت ـ أيضاـ أضرارا واسعة النطاق من قبل القصف الجوي.
سد مأرب هو الآخر أحد المعالم الأكثر شهرة في اليمن. بدأ تشييد هذا العمل الفذ في الألف الأول قبل الميلاد واستمرت عملية التشييد والبناء حتى حوالي القرن السادس الميلادي.
وفي القرن الثامن وردت نصوص لمكاربة تشير إلى تعلية وإصلاحات على السد فبلغ طوله 577 مترا وعرضه 915 مترا وهو ضعف سد «هوفر» الأمريكي وبني في الجهة التي تسيل منها السيول فتمكن السد من حصر الماء وزود بثقوب أو أبواب لتسمح بقدر أكبر من التحكم بجهة المياه عقب استقرارها في الحوض وتم اقتطاع حجارة السد من صخور الجبال ونحتت بدقة ووضعت فوق بعضها البعض واستخد