**فرضية نهاية العصر الأمريكي في الشرق الأوسط** و”عقيدة اوباما”(الحلقة الثانية )
“لقد انتهى عصر الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط وبدأ عهد جديد في تاريخ المنطقة الحديث. وسيتم تشكيله من قبل لاعبين جدد وقوى جديدة تتنافس من أجل التأثير وحتى تتسيد عليها سيكون على واشنطن الاعتماد بشكل أكبر على الدبلوماسية أكثر من اعتمادها على القوى العسكرية”
الفقرة السابقة هي خلاصة اطروحة ريتشارد.ان.هاس: رئيس مجلس العلاقات الخارجية طرح فيها ما يسميه بداية الحقبة الخامسة للشرق الأوسط ونهاية السيطرة الأمريكية.
يتوقع هاس ان الحقبة الخامسة في الشرق الأوسط ستشهد انحسارا نسبيا لادوار اللاعبين الخارجيين وأن تتمتع القوى المحلية فيه باليد العليا وأن يكون اللاعبون المحليون الذين يمتلكون السلطة من الراديكاليين الملتزمين بتغيير الوضع الراهن
استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا في الولايات المتحدة عكست هي الأخرى ميولا انعزالية لدى المواطن الأمريكي الذي أصبح يرى ان العناية بالشؤون المحلية مقدمة على غيرها .
لكن في المقابل هناك من يرى في فرضية هاس نعيا مبكرا مبالغ فيه وان كل مقومات الهيمنة لا زالت قائمة وفي الواقع حتى هاس وان كان يعتقد أن تأثير الولايات المتحدة تأثيرها سينخفض عما كانت عليه ذات مرة لكنها ستستمر بالتمتع بتأثير أكبر في المنطقة من أي قوة خارجية أخرى.
والتفسير الأقرب لهذه الظاهرة هو كما أوضحه الكاتب السوري غازي دحمان باعتباره ينطوي على بعد إستراتيجي جغرافي يمكن وصفه بمحاولة إعادة الهيكلية الإستراتيجية ولكن وفق معطيات وشروط اللحظة الراهنة واستحقاقاتها ..أننا أمام نمط إستراتيجي أميركي جديد يقوم على إعادة صياغة وتشكيل الشرق الأوسط بطريقة جديدة وليس الانسحاب منه. بمعنى الميل إلى إيجاد تسوية معينة ترتكز على قاعدة تخفيف درجة الانخراط التدخلي وفق النمط الذي كان يجري به والانتقال إلى نمط أكثر جدوى يجعل ميزان الربح مائلا لصالح الطرف الأميركي ويبعده عن المغارم “
وفي هذا السياق يمكن قراءة ما أعلنه أوباما والمتحدثون باسم إدارته في غير مناسبة عن وجود توجهات لنقل “المحور المركزي” للإستراتيجية الأمريكية من مراكزه السابقة (الشرق الأوسط) نحو “تحديات القرن الواحد والعشرين” التي بحسب كلامهم في آسيا والمحيط الهادئ للتصدي للعملاق الاقتصادي الصيني الذي سيتجاوز الأميركي عام 2020 في التربع على قمة الاقتصاد العالمي.
ومن الخبرات التي اكتسبتها الولايات المتحدة من تجربتها في العراق وفي أفغانستان أنها غير قادرة على حسم ملفات التوتر منفردة فهناك لاعبين أساسيين لا يمكنها تجاهلهم خاصة روسيا وإيران والصين
فروسيا بقيادة فلاديمير بوتين نجحت في وقف الانهيار السياسي والاجتماعي وضع حد للفوضى العارمة ومافيا الفساد و استعادة تعافيها اقتصاديا وسياسيا لتعود من جديد إلى حلبة الصراع الدولية ونجحت الدبلوماسية الروسية في استغلال أزمات الشرق الأوسط كمقدمة لعودتها لاعبا أساسيا ممنوع تجاوزه على المسرح الدولي , وكان ن ذلك إيذانا بولادة عالم جديد متعدد الأقطاب والإعلان عن انتهاء القطبية الأحادية للعالم .
من جهتها إيران نجحت في مقارعة الولايات المتحدة الأميركية وتهديد مصالحها في المنطقة من أفغانستان إلى العراق إلى مضيق هرمز إلى سوريا إلى لبنان إلى فلسطين المحتلة نجحت إيران في تقويض المشاريع الأميركية وتهديد العالم بإغلاق الخليج الفارسي .,كما عملت على امتلاك التكنولوجيا النووية وبناء ترسانتها العسكرية وتطوير أنظمتها الصاروخية وقواها البحرية والجوية.
( انظر تفاصيل اكثر في ميثاق مناحي, التداعيات الاستراتيجية لاتفاق الإطار النووي بين طهران وواشنطن)
لقد كان من نتائج صمود إيران و الدول والجماعات والحركات التي تنتمي لمحور الممانعة استنزاف قدرات الولايات المتحدة وغرقها في مستنقع صراعات المنطقة المكلفة ,و دفع بها الى اعادة النظر في سياساتها السابقة والميل نحو مخارج تعيد هيكلة إستراتيجيتها الإقليمية في الشرق الاوسط.
ومن القناعات التي خرجت بها الولايات المتحدة من تجربتها في العقدين الماضيين ان الاستغلال المباشر للقوة الأمريكية لا يحقق مصالحها في المنطقة ولم ينجح في إدخال الشرق في العصر الأمريكي أو في إدماجه في النظام العالمي المؤمرك وتفكر جديا نحو التحول إلى لعب دور مساعد في المنطقة بدلا من الدور القيادي والتدخل المباشر,بما يعني أن توكل مهمة فرض نفوذ الولايات المتحدة لقوى إقليمية ووكلاء محليين. وهذه الفكرة كانت من ضمن الأشياء التي طرحها الرئيس اوباما في مقابلته مع توماس يجيب اوباما ” الحوار الذي أريد القيام به مع الدول الخليجية يتضمن أولا وقبل كل شيء الإجابة على سؤال كيف يمكن لهم بناء قدرات دفاعية أفضل وأنا أرغب في رؤية كيفية الوصول لهذا التعاون بشكل رسمي أكثر مما هو الوضع عليه الآن. ويمكن أيضا المساعدة في بناء إمكاناتهم بحيث يكونون أكثر ثقة بقدرتهم على حماية أنفسهم من العدوان الخارجي.