اصطفاف وطني لصد العدوان

قبل أسابيع من بدء العدوان كتبت على صفحتي في الفيسبوك بأن أي عدوان عسكري خارجي سيوحد اليمنيين ويرص صفوفهم..اتفق معي البعض واختلف البعض الآخر.. وكل عبر عن رأيه انطلاقا من موقفه ومن موقعه إزاء ما يجري في البلاد .
وفي كل الأحوال لم تكن تلك الآراء أكثر من مجرد تعليقات تفاعلية مع نبرات التهديد والوعيد التي تداولتها بعض وسائل الإعلام الخليجية ولم نأخذها على محمل الجد لاعتقادنا الأكيد بأن “أشقاءنا العرب” في دول الجوار أعقل من أن يزجوا بأنفسهم في مغامرة من هذا النوع أو أن يقدموا على ارتكاب حماقة عسكرية ضد إخوانهم وجيرانهم في اليمن.. وتم العدوان وفوجئ الجميع بما لم يكن في الحسبان .
وحينها كان لابد لكل اليمنيين أن يخرجوا من دوائر الأحزاب والجماعات والتجمعات الضيقة إلى دائرة الوطن الأوسع لأن الأمر يتعلق بسيادة وطن وانتهاك حرمة أراضيه وقتل أبنائه وتدمير منشآته ومقدراته وهو ما لم يقبله اليمنيون على اختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية وانتماءاتهم الاجتماعية فوضعوا خلافاتهم الداخلية جانبا واصطفوا معا لمواجهه الغزو الخارجي ومقاومة العدوان.
فالخطب اكبر من الجميع ولا يقتصر على فئة أو مكون سياسي بذاته كما يدعي البعض بل يستهدف كل الوطن ويقتل كل أبنائه دون استثناء .
فالأرواح البريئة التي أزهقت والدماء التي سفكت والأشلاء التي تطايرت في كل بيت وشارع ومدينة وريف وجبل وسهل في كل بقاع الوطن قد فطرت قلوب كل اليمنيين وصبت النار في عروقهم ومزقت كل خيوط التباين والخلافات الوهمية بينهم فتوحدت مواقفهم وأعلنوا جميعا رفضهم القاطع للتدخل الأجنبي ووقوفهم جنبا إلى جنب في مقاومة العدوان وحماية الوطن .
وأجزم أن تلك الصواريخ المدمرة والانفجاريات المرعبة التي هزت مدن اليمن وجبالها وقراها لم تخف الرجال الأشداء بقدر ما أخافت الشيوخ والنساء وأرعبت الأطفال وقتلت الكثير منهم وتسببت في نزوح وتشريد مئات الآلاف من الأسر وحرمانهم من المأوى والغذاء والماء والدواء والوقود وعطلت كل الخدمات الأساسية ودمرت كل مقومات الحياة الإنسانية .
إنها كارثة جماعية وحرب إبادة شاملة لا تستثني أحدا.. فهل بعد ذلك من شك بأن هذا العدوان لا يستهدف كل اليمن بكل مقوماته الاقتصادية وبناه المدنية وإرثه الثقافي والحضاري وكل ما له صلة بالحياة ¿
وهل هناك من يقول أو يعتقد بأن هذا العدوان يهدف إلى إحلال الأمن والاستقرار وإنقاذ البلاد من أوضاعها السياسية والاقتصادية المتردية ¿
من يعتقد هكذا إنما هم الذين لا يمتون للإنسانية بصلة وليس لهم بهذا الوطن أي رابط ولا يفهمون معنى الانتماء إليه وقد شاركوا بمواقفهم المخزية في العدوان عليه وانتهاك سيادته وقتل شعبه وهم أصغر من ان يفهموا بأن الوطن اكبر من أن يختزل في فئة أو جماعة أو حزب أو منطقة أو قبيلة وان هذا الاصطفاف الوطني ضد العدوان البربري الغاشم لا يعني الانحياز لجهة بذاتها أو الانتماء لفكر بعينه لكنه انحياز للوطن وممارسة حق الانتماء إليه بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى .
لقد أثبت اليمنيون في هذه المحنة أنهم فوق كل المسميات الطائفية والمذهبية والمنطقية وغيرها من التصنيفات الفئوية الممقوتة التي يطلقها مروجو الفرقة ومثيرو الفتن وقد شاء الله عز وجل أن يكون هذا العدوان وهذه الحرب سببا قويا في رص صفوف اليمنيين وتوحيد قواهم ومواقفهم وتعزيز قيم الخير والتسامح بينهم وتمتين أواصر المحبة والإخاء والعيش المشترك .
إنها القيم والمبادئ الأصيلة التي وحدت اليمنيين وجعلتهم جميعا على قلب رجل واحد في خندق الدفاع عن الوطن وصد العدوان.. إنها عناوين العزة والكرامة والإباء لكل أبناء الشعب اليمني الصامدين والثابتين على الأرض.. فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .

قد يعجبك ايضا