استراتيجية بني سعود وبني عثمان من العمق إلى العمى الاستراتيجي
لا شك في أن بديهيات الاستراتيجية العسكرية هي نظرية وتطبيق أو علم وفن البناء والاستخدام البارع للقوات المسلحة كأحد عناصر قوى الدولة الشاملة بما يحقق الأمن والاستقرار والتطور والرفاه لأي دولة.
ودائما هناك فرق بين من يضعون استراتيجية ومن يفهمون ويطبقون الاستراتيجية والاستراتيجية كالسياسة هي فن الممكن ولكن الذين يستطيعون تمييز الممكن قليلون جدا لذلك نرى أن الذين ينطلقون من وضع استراتيجيات دولة توظف إمكاناتها المادية والعسكرية وموقعها ولا يميزون بين الاستراتيجية العسكرية واستراتيجية المناسف إنما ينسفون مصيرهم ويضعون بلدانهم في مهب العواصف الحازمة بسوء تدبيرهم وأمية تقديرهم.
يقول الخبير الاستراتيجي توماس كارليل: «لا شيء أكثر ضررا من العمل الاستراتيجي من دون بصيرة». ويقول المنظر الاستراتيجي «كلاوزفيتز»: كل شيء في الاستراتيجية بسيط جدا ولكن هذا لا يعني أن كل شيء سهل جدا وتؤكد مبادئ وصيرورة نشوء وتطور الاستراتيجية عموما أن النجاح فيها يقوم على الإجابة حول تحقيق الأهداف من عدمه وجلب أو درء المخاطر للواقع الحالي والمستقبل وتعزيز أو هدر الإمكانات وألف باء الاستراتيجي أن يكون مستشرفا لا متنبئا ومفكرا وخبيرا لا جاهلا بالتاريخ والجغرافيا وحروب التاريخ قديمها وجديدها للاستفادة من دروسها وأقربها مثلا العدوان الصهيوني على لبنان ومقاومته عام 2006م وعلى غزة عام 2008 – 2009م وعام 2012م والعدوان الإرهابي الوهابي منذ أكثر من أربع سنوات على سورية وهزيمة العدوان في كل مرة وكرة وانتصار إرادة الحق والشعوب في كل مرة.
ومن سخرية الاستراتيجية وسخفها أن يتصدى لها أو يدخل عالمها الجهلة الذين يتوهمون أنهم بألعاب الأتاري والبلاي ستيشن وشذوذ المراهقة قادرون على ترويض ما فات وما هو آت من استراتيجيات كما يحصل مع مراهقي بني سعود الذي لم يسعفهم ماضيهم الوهابي الدموي وطيشهم وغرورهم وحقدهم على العروبة والإسلام من التعلم بأن الأخطاء الاستراتيجية لا يمكن ترميمها لأنها تؤدي إلى كارثة مصير ووجود بدت علائمها التكتيكية والاستراتيجية بادية بالبصر التكتيكي البشري والبصيرة الاستراتيجية.
فبعد نيف وشهر من العدوان السعودي الآثم على اليمن وشعبه العربي الأبي والنتيجة صفر أهداف كأن ملوك الزهايمر لم يتعلموا من مشكلة استراتيجية صفر مشاكل العثمانية التي استحضرت كل أوبئة الماضي العثماني وعلل الرجل المريض وحقد وإحباط وانتكاسات الإخونجية وأقطابهم من سيد قطب إلى أردوغان والقرضاوي والبغدادي والجولاني تلك الشجرة الإخونجية السامة كما وصفها معهد جيت ستون الأميركي التي أفرزت من رحمها كل تلك التنظيمات الوهابية المتطرفة وراح شرها المستطير يطاول العالم العربي والإسلامي في صحراء الربيع الإرهابي وباتت عبقرية التخطيط الاستراتيجي في معادلات مهندسي الأصفار تلملم البرابرة الجدد من «داعش» و(جبهة النصرة) وتدفعهم إلى مسقط رأس أبي العلاء المعري ليبقى رهين المحابس وباتجاه أفاميا وأوغاريت وإيبلا لإقامة إمارة الظلام على ركام أعمدة النور في الثغور وجسر الشغور ولعل العثمانيين والصهاينة والوهابيين الجدد لم يقرأوا ولم يعتبروا من دروس الماضي القديم والجديد والمتجدد ومن عظام الغزاة وهي رميم ومن عبرة ستالينغراد التي لم يبق منها خارج سيطرة النازية إلا 10 في المئة وانتصرت وغيرت مجرى الحرب العالمية الثانية ورسمت مصير العالم لأكثر من نصف قرن ولم يعتبروا من تطهير القصيúر وبابا عمرو والخالدية وحمص القديمة والقلمون ويبرود ومعلولا والمليحة وخناصر وبنت جبيل وغيرها الكثير.
وبأميتهم الاستراتيجية لم يتعلموا أن الحرب تتكون من عمليات والعمليات من مواقع والمواقع من معارك والمعارك من أعمال قتال وكر وفر وقد نخسر معركة هنا ولكننا كسبنا مواقع الحرب وعملياتها وكسبنا الحرب ولم ولن نخسرها ولم يتمعنوا في قول الرئيس بوتين بأن النظام العالمي الجديد سيخرج ويتحدد في سورية ولم يسمعوا قرار محور المقاومة الذي لا رجعة فيه أو عنه بأن هزيمة سورية ممنوعة ومستحيلة وربما أصابهم الصمم عن هدير الشعب السوري الذي عقد العزم وقطع الوعد والعهد مع جيشه وقيادته بشعار هيهات منا الهزيمة. والمؤكد أن داء العمى الاستراتيجي قد أصابهم ما دفعهم لعدم القدرة على التمييز بين الممكن والمستحيل إنها استراتيجية الأغبياء التي تترنح وتتألم ولا تتعلم ونحن في المرحلة الختامية التي نقبض فيها على مفاتيح وأبواب النصر لنصحح التاريخ ونرسم الجغرافيا ونصنع المستقبل.
نقلا عن موقع جريدة البناء
