ردا على تساؤلات المشهد اليمني:غيمتنا لا تجيد سوى المطر
ليست المرة الأولى التي اسأل فيها الغيوم الماطرة عن مستقبل وطني وما تخفيه له الأعوام القادمة من حروب وصراعات وأزمات ..
ربما هي المرة الألف يعود فيها السؤال كسابقيه بلا أجوبة.. سوى زخات من المطر المثقل حينا بالبرد وأحيانا بالدفء .. ومنسوب أمطار منخفض يضع هذا البلد على حافة الظمأ وفي مقدمة الدول المهددة بالموت عطشا ..
أخطأ المترجمون حين فسروا الاسم الروماني القديم لليمن بأنها العربية السعيدة فـ “أرابيا فليكس” تعني (العربية المجهولة) أو الحزينة في ترجمة متطرفة .
مهما كان الخطأ مقصودا أو مبرره منح سعادة مكذوبة لبلد تعس تعزيه عن بعض واقعه البائس فإن القدر أهدى بضع مفاجآت حلوة لهذا البلد القابع في ركن الجزيرة العربية فكانت له إطلالاته الباسمة عبر التاريخ .
أطل اليمن باسما حين توفر له الاستقرار وأغدقت عليه السماء ماءها فطرحت أرضه ثمار الخير وارتفع تعداد ساكنيه وامتد ثراؤهم وشوكتهم ونفوذهم .
كانت ابتسامات قليلة ونادرة اطل بها اليمانيون على مسرح الحضارة الإنسانية ..لكنها ظلت غائرة في الوجدان البشري بما تبعها من مآسي المجاعات والهجرات والصراعات الدامية ..
الصراع كان نتيجة طبيعية للزيادة السكانية وشح السماء وعجز الأرض عن إيفاء وعدها لمن عليها بالكفاية والحماية من غائلة الجوع ..وتفرقت أيدي سبأ..والهجرات وحدها كانت التي تطفئ جذوة الصراع .
هذا القانون الكلاسيكي للصراع لازال يحكم مسار التاريخ وقراءة الأحداث في وطني .
لم تنجح في تحطيمه اذرع المدنية الحديثة ولا مثاليات الشيوعية ولا تقنيات الرأسمالية والاقتصاد الحر .
حتى فورات النفط في الجوار لم تطرح تنمية لتغيير هذا القانون بل فاقمت من أزمات اليمنيين وزادت حدة الصراع بينهم .
وبينما كان الإنسان اليمني قديما يغادر مسرح الصراع والحاجة على أرضه بحثا عن الحياة والاستقرار فردا وقبيلة في العالم الفسيح .
جاءت هذه النظريات والمثاليات وأضافت “الحدود” والنزعة الوطنية كعامل جديد في الحياة الإنسانية وحياة هذا الشعب أيضا ..
لم يعد أمام أيدي سبأ اليوم فرصة لأن تتفرق وتنهي صراعها بالهجرة .. بات عليها أن تتصارع داخل حدودها الجغرافية ليصبح الموت الجماعي جوعا وتقتيلا هو البديل في تخفيف حدة الاحتياج وإعادة الاستقرار لهذه الأرض المجهولة .
ليس معلوما أمد الصراع القادم لكنه مهما كان داميا أو مأساة سوداء فإنه لن يفوت على اليمنيين في عهد قادم اقتناص ابتسامة جديدة للتاريخ .
ابتسامة تجود بها يد القدر وغيمة ترفض البوح بالإجابات لأنها لا تجيد سوى المطر .