في اليمن .. حرب الأمراء ضد ثورة الفقراء

اليمن حديقة خلفية للسعودية منذ انتزاع جيزان وعسير ونجران العام 1934. فالفترة القصيرة التي حاولت فيها مصر جمال عبد الناصر إيجاد موطئ قدم في دعم الجمهوريين أنهتها على وجه السرعة هزيمة 1967. كما أن جنوب اليمن الذي غرد خارج السعودية بعض الوقت قطفته الرياض ثمرة اقتتال «الحزب الاشتراكي» في الجنوب وفي دعم علي عبد الله صالح العام 1994 «للقضاء على الانفصال». وفي حقيقة الأمر لم يحكم صالح اليمن 33 عاما منفردا إنما تسلط في الحكم بالشراكة والوئام مع السعودية عدا حقبة الخلاف السياسي أثناء احتلال الكويت نتيجة محاولته الخروج من تحت إبط السعودية في حلفه «العربي» مع صدام حسين.
وضعت السعودية يدها على اليمن طريقة للاهتراء المعهودة التي ترتكز على حسابات بدائية للنفوذ في شراء الولاء. في هذا الصدد يذكر الباحث الأكاديمي الإيرلندي المرموق فريد هاليداي صاحب كتاب «صراع سياسي في شبه جزيرة العرب» (منشورات الساقي 2008) أن الإنفاق السنوي السعودي على القبائل اليمنية بلغ 3 مليارات دولار. وبدوره يؤكد شيخ شيوخ قبائل بكيل في مذكراته أن السعودية كانت ترعى قبائل اليمن لا سيما حاشد وبكيل بالمال سنويا. لكن توزيع المال في اليمن لم يكن لشراء الولاء لتوسيع النفوذ السعودي كما هي حاله في كل مكان إنما وظيفته السياسية هي على وجه الحصر محاربة محاولات بناء الجيش وباقي المحاولات الجادة في إرساء نواتات الدولة بمنأى عن اليد الطولى للقبائل. فاصطدمت السعودية بشأن هذه المسألة تحديدا مع الرئيس عبد الرحمن الأرياني ثم مع خلفه المقرب من السعودية ابراهيم الحمدي وكذلك مع خلف الحمدي بعد مقتله أحمد حسين الغشمي. وفي سبيل ضمانة توزيع مناصب الجيش والدولة على حلفاء السعودية تنحى عبد الكريم العرشي عن الحكم لمصلحة علي عبد الله صالح إثر اتفاق عبد الله حسين الأحمر (شيخ مشايخ حاشد) مع السعودية مقابل شراكة صالح ـ الأحمر التي حكمت بالسراء والضراء حتى الثورة اليمنية العام 2011. فالشيخ كان له طول باع في السياسة الداخلية وتوزيع المناصب على العائلة الحاكمة نتيجة المصاهرة مع صالح كما في التناغم السياسي مع السعودية التي وقعت مع اليمن «اتفاقية جدة العام 2000» وقادها الشيخ الأحمر عن الجانب اليمني تحت شعار «لا ضرر ولا ضرار» لكنها أسفرت عن ترسيم الحدود بحسب ما اشتهت السعودية في اتفاقية الطائف والتخلي عن الأقاليم اليمنية التي ضمتها السعودية العام 1934. وبقيت ذيول هذه الشراكة بعد إقصاء صالح في اتفاق عبد ربه منصور هادي مع أذرع السعودية في «حزب التجمع الوطني للإصلاح» بقيادة حميد الأحمر الذي أسسه عبد الله بن حسين الأحمر مع الشيخ عبد المجيد الزنداني. والذراع الآخر علي محسن الأحمر الذي انشق عن صالح أثناء الثورة بالتوافق مع السعودية فعززته «المبادرة الخليجية» بالنفوذ.
في إدارة هذه السياسة أوكلت السعودية الملف اليمني إلى «اللجنة الخاصة» التي تولاها سلطان بن عبد العزيز من أوائل الستينيات حتى رحيله العام 2011 فأشرف على كل شاردة وواردة من الشؤون السياسية والقبلية والاقتصادية في اليمن شمالا وجنوبا. وكان لهذه «اللجنة» التي تولاها نايف بن عبد العزيز حتى حلها العام 2013 الإشراف المباشر على حفظ الحديقة الخلفية تحت جناح السعودية بما في ذلك الضغط على عمان لإعاقة ترسيم الحدود مع اليمن على سبيل المثال. فالهيئة التي حلت محل «اللجنة» ضمت وزير الخارجية السعودي ووزير الداخلية والأمين العام لمجلس الأمن الوطني… ولا غرابة فاليمن الذي خضع نظامه السياسي لوصاية سعودية في شراكة عائلتي صالح ـ الأحمر انفجرت منظومته السياسية ـ الاقتصادية ـ الاجتماعية ثورة في سياق الثورات العربية العام 2011 واجهضتها الثورات المضادة باستراتيجية واحدة. فعدا ثورة البحرين التي أجهضها «درع الجزيرة» بتدخل عسكري مباشر اتخذت الثورات المضادة طريق ما يسمى «الاصــلاحات الدســتورية» منهجـــا لخلع رأس السلطة في تجديد النظام برعاية دولية ـ إقليـــمية في مقدمها دول الخليج. ففي البحرين حيـــث الإصلاح الدستوري فعل ثوري في تغيير النـــظام السياسي كان لا بد من الغزو العسكري. لكن في اليمن الواقـــع فوق أنف الخليج النفطي وضع «المجتمع الدولي» يدا بيد مع «مجلس التـــعاون» في وضع البلاد تحــت وصاية الدول العشر بحسب «المبادرة الخليجية» وتجديد النظام في «الاصلاحات» نفسها التي شتتت الثورات العربية أيدي سبأ.
حل نائب الرئيس هادي محل الرئيس صالح مقابل منحه الحصانة وحماية الامتيازات على رأس «المؤتمر الشعبي» وتسلح الرئيس الجديد بمجهود سعودي لإعادة «هيكلة الجيش والقوى الأمنية» ودعم الم

قد يعجبك ايضا