شروط الحوار المنتظـر

 ليس منطقيا أن ينطلق حوار القوى السياسية في ظل استمرار القصف العدواني والحصار الجائر على البلاد كما أنه ليس من المنطق أن يلتئم الحوار برعاية الدول التي تحالفت في العدوان على اليمن.
ثم إن الحوار المرتقب يجب أن يختلف عن الحوار ما قبل العدوان على الأقل من ناحية تمثيل  الأطراف السياسية فمن غير المقبول أن تضم طاولة التفاوض أشخاصا وأطرافا أيدوا وراهنوا على انكسار اليمن في وجه عدوان خارجي لم يرقب في اليمنيين إلا ولا ذمة متماديا في جرائمه الوحشية التي فاقت في بشاعتها ما يرتكبه الصهاينة بحق إخواننا الفلسطينيين في غزة وغيرها.
ومن متطلبات نجاح الحوار المنتظر أن يقتصر على القوى السياسية الفاعلة ميدانيا بحيث لا يتاح لأي طرف إمكانية تعطيل الحوار على الطريقة التي شهدناها في مفاوضات “موفنبيك” قبيل فرار هادي إلى عدن ثم إلى الرياض. 
وإذ كادت المفاوضات أن تصل إلى نهاية إيجابية رغم مراوغة ومماطلة بعض الأطراف وقتها فإن استئناف التفاوض يجب أن يبنى على ما جرى التوافق عليه قبلا بحيث يشكل الإطار العام للاتفاق إعلانا دستوريا ناظما وضامنا لمرحلة انتقالية ودستور توافقي يستند إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ويؤسس لبناء الدولة المدنية المنشودة.
نجاح الحوار يتطلب أيضا عدم القفز على القضية الجنوبية وتأجيل الحلول العادلة لها مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لم يعد هناك مكان للطروحات المتطرفة التي تطالب بفك الارتباط مع الشمال وتزعم أن الجنوب ليس يمنيا فمن غير المقبول أن تقبل طاولة الحوار بمثل هذه الأصوات النشاز!
لقد أجادت القوى السياسية في مؤتمر الحوار الوطني 2013م توصيف الأزمات اليمنية ونبشت في جذورها ومسبباتها وقدمت الكثير والكثير من الحلول والمعالجات المقترحة لكنها عجزت في آخر المطاف عن ضبط مسار المعالجات وترتيب الأولويات فجاءت صيغة ضمانات تنفيذ المخرجات في الحد الأدنى مما هو مطلوب للخروج من عنق الزجاجة. وحتى تلك الضمانات افتقرت إلى إرادة سياسية لتنفيذها وظل هادي يراهن على تقارب القوى التقليدية في حزبي المؤتمر والإصلاح وإسناد الدول العشر لتفاهماتهما تحت الطاولة متجاهلا ومستشاريه بقية القوى السياسية وتطلعات شباب ثورة 11 فبراير 2011 متجها في الأخير إلى فرض رؤية معينة للدولة الاتحادية ومستقويا بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
لكن المتغيرات في الواقع جاءت على الضد من أحلام وأوهام قوى النفوذ والاستبداد وجاءت ثورة 21 سبتمبر 2014 لتعلن عن تغيير موازين القوى في اليمن لصالح حركة أنصار الله الصاعدة. وهذا ما لم تستوعبه النخبة السياسية فعمدت إلى إنكار الواقع والتنكر لمستجداته وصولا إلى وقوع بعضها في المنكر الأكبر: العمالة والارتهان في أحضان الرياض.
لا ينبغي للحوار المقبل أيضا أن يقفز على طموحات الشعب في التحرر من الوصاية الخارجية أيا كان نوعها فقد حان الوقت كي يغدو اليمن سيد نفسه وقراره. وإذا كانت اليمن قد دخلت بشكل أو بآخر في ظل لعبة الأمم فإن صمود الشعب اليمني في وجه العدوان السعودي الأمريكي كفيل بإنقاذ البلاد من سيناريوهات التفكيك. وعما قريب سيحمد القوم السرى وتخرج اليمن من محنتها موحدة مستقرة قوية ومستقلة!

قد يعجبك ايضا