قبل السقوط

قبل السقوط .. عنوان مقال كتبته في احدى يوميات هذه الصحيفة غداة اختتام مؤتمر الحوار الوطني الشامل وتطرقت فيه الى مخاطر الوقوع في فخ التناحر والصراعات مجددا وعدم العمل الجاد والمخلص في الالتزام وتنفيذ مخرجاته من قبل كافة الاطراف السياسية والمجتمع وأثر ذلك في تقويض المشروع الوطني والدولة المنشودة وبالتالي السقوط في حروب عبثية في وطن مثخن بجراح مآسي عقود من الزمن .
أشهر من التململ في السير بالمشروع الوطني وفقا لمخرجات الحوار وحسابات خاطئة وإجراءات مشوهة زرعت مؤشرات الوقوع في المحظور لتتسارع الاحداث في اتجاه السقوط في صراع عبثي كان يمكن تلافيه مبكرا إن صدقت النوايا وقوت الارادات ومحصت المخاطر ووضع الوطن وأمنه وسلامته ووحدته فوق كل اعتبار بعد ان كاد اليمنيون ان يقدموا إنموذجا في حوار غير مسبوق رغم ما في نتائجه من قصور وتجاوز لكنه يظل سابقة في حياة اليمنيين يمكن البناء عليها وتشذيبها وتطويرها .
واليوم والوطن يتعرض لتدمير مقدراته ومكتسباته ويحاول البعض تمزيق نسيجه الاجتماعي والتعامل بانتهازية للنيل من الشعب .. ما يزال هناك متسع من الوقت وكثير من الفرص للحفاظ على يمن قوي ومتماسك والسير مجددا على طريق العمل الايجابي في بناء المشروع الوطني بأدوات سلمية وسليمة بعيدا عن الادوات الهدامة وغير الحضارية التي أثبتت الايام والتجارب فشلها في البناء وتحقيق التنمية والتطور في غير وطن بل انها كانت سببا للوقوع في فخ التدخلات الخارجية والارتهان لقوى إقليمية ودولية كان ثمنه دوما من السيادة والاستقلال والاستقرار والشواهد  كثيرة ومتعددة سواء في اليمن أو غيرها .
 ومهما تسيدت لغة الحرب وفعلها المدمر يظل العقل والعقلانية ضرورة موضوعية لأي فعل إيجابي يخترق سحب الدخان ويتجاوز الدمار المادي والنفسي لتشكيل واقع آخر مختلف يكون السلام رافعته وحصنه وطريقه الى المستقبل وكما يقال فإن الحرب أو السلم يبدأ في عقول الناس فلتكن البداية من العقل ببذر روح التسامح الخلاق وقيم الحوار والتنوع والتعدد في العقول والقلوب معا قبل السقوط .
 الحوار صفة انسانية ومدخل حضاري لحل كافة المعضلات والخلافات مهما بدت عصية ومستعصية كما انه مطلوب في  الحياة العامة وضرورة وجودية بدونه لا يمكن إنجاز شيء معتبر وذي قيمة على الارض ومن يقول بغير ذلك يقفز على حقائق الاشياء وطبائع الامور ومصاب بلوث عقلي وعظمة زائفة .
 لقد ظل الجميع يتحدث عن أهمية الحوار لاخراج اليمن الى بر الامان وقليلون – اشخاصا ومكونات – من أمسكوا بتلابيب الاتجاه العقلاني واستشرفوا كنه وجوهر الحوار وخبر مخاطر التلاعب بمصائر الناس وتغييب ارادتهم ودورهم ومصلحتهم في وطن آمن ومستقر بينما التمترس خلف رؤى احادية ومغلقة لم تفضي إلا الى مزيد من التأزيم  والقضاء على بصيص الامل الذي تعلق به السواد الاعظم من الشعب وبدأ في محاكاته والالتفاف حوله والاستعداد لتحويله الى واقع ملموس في حياته ومستقبل الاجيال .
    هناك فضيلة غابت عن الكثير اسمها الحصافة بمعنى اتخاذ القرار او الاجراء المناسب لتحقيق المصلحة العامة والخاصة وهي صفة يحتاج اليها المسؤول والحاكم والمواطن ايضا حتى تتم تأدية الادوار بتناغم بعيدا عن منطق القوة  التي لا تتحكم إلا بمن يعتبرها الوسيلة المثلى لحل كل الخلافات كونها تسلبه الارادة والطرح المنطقي والعقلاني وتبقيه سجينا واسيرا لمنطق الغلبة والفعل السلبي على الدوام وهو ما لن يؤدي إلا الى السقوط المحتوم . 

قد يعجبك ايضا