الحرب المخترعة..

وائل عبد الفتاح
 جريدة السفير
المدهش أكثر من تسمية ما يحدث حولنا بـ «الحرب» أنهم يطلقون على أبطالها ألقاب: «الزعيم» / «القائد» في سيطرة لخطاب مستعار بالكامل من لحظات انقضت بلحظات كانوا يبحثون فيها عن «الخلاص» والحاكم / الاستثناء هو «مخلص» أو ما يشبه ذلك ولا يمسي بوظيفته (رئيسا أو مديرا لإدارة الدولة..) ولكن بموقعه من البلاد نفسها (ملهما / راعيا / عاهلا) إلى آخر هذه التسميات التي اختلط فيها عصر المخلص السياسي بعصور الإقطاع.
الأوصاف ليست دقيقة (لن نقول كاذبة…) لأنه يستحيل توصيف ما يحدث في اليمن على أنها حرب وما زال الأمر متوقفا على غارات جوية لم تثمر سوى الدمار والضحايا كما أن الحلفاء يتنازعون على خطة الحرب وباكستان أعلنت رفضها ومصر مترددة لكنها أقرب إلى التمنع.
ومن دون مشاركة مصرية وباكستانية ستبدو الحرب البرية لعبة في الفراغ الجبلي السعيد لليمن لكن التلويح بالبري هدفه دفع الحوثيين إلى التفاوض من دون مشاعر التفوق (بالسلاح و السند الإيراني) أو العداء (للوجود السعودي.. أو استمرار الهيمنة منذ اصبحت اليمن حديقة السعودية التي لابد أن تكون جرداء لتشعر المملكة بالأمان..)
وهنا تتعارض مصالح ورغبات رهيبة حيث تلتقي فالقوة المحركة للغارات السعودية هي: رغبة الشباب في تأسيس ثان للمملكة على الحرب كما كان التأسيس الأول.
هذه الرغبة تلتقي مع مصلحة الخليج المحافظ (الذي ترتبت فيه العلاقات على يد البريطانيين وبرعاية الأميركان. لتتوزع السلطة والثروة توزيعها الحالي الذي لم يعد قادرا على تحقيق استقرار القاطرة في مسارها)…
لكن الرغبة نفسها تتصادم مع اوضاع حساسة بين الحكام والمجتمعات في دول مثل (مصر والباكستان) وتتفارق مع قدرات من يريد قيادة «التحول» من موقع «الثبات».
ـــ 2 ـــ
وإذا أسميتها «حربا».. فستبدو التسمية تغطية لشيء ما… أو لشغل الوقت المستقطع بين زمنين…
ولأننا بين زمنين غالبا كما تقول الإشارات…
ولأن ما حدث من خلخلة في الأنظمة العربية وسمي «ثورة» أو «الربيع العربي» وانتهى إلى حروب أهلية وانقلاب دولاتي (عسكري / بيروقراطي) ليس الا فجوة زمنية بعد عصر انتهى أوقف الناس فيه «القاطرة» لأنها لم تعد تحتمل… وظن المتفائل والباحث عن الخلاص أن هذه هي اللحظة الفارقة وسيتغير كل شيء! الا أن الفجوة فتحت وما زالت مفتوحة…
والحرب تخترع الأن اختراعا… من دون خطط ولا اتفاقات وبتردد أكبر مما تتحمله الحروب ولا يبقى منها سوى الدمار والضحايا بالآلاف… علامات رعب منتظر وحشد للناس علهم يعودون عن وقف مسار الزمن القديم… علهم يهتفون بعودة ما لن يعود…
كاتب الأرغواي ادوار غاليانو الذي غادر قبل ساعات له رأي في الحرب بالتحديد في ابطال الحرب وبالتحديد اكثر فيمن يصنعون من الحرب سلمهم إلى المجد او السلطة أو إعادة تأسيس الملك أو إحياء الامبراطورية…
من بعيد يصدر الرؤساء و الجنرالات أوامرهم بالقتل. هم لا يقاتلون إلا في الشجارات الزوجية. لا يريقون من الدم إلا ما يسببه جرح أثناء الحلاقة. لا يشمون من الغازات إلا ما تنفثه السيارات. لا يغوصون في الوحل مهما هطل المطر في الحديقه. لا يتقيأون من رائحة الجثث المتعفنة تحت الشمس وإنما من تسمم ما في الهمبرغر. لا تصم آذانهم الانفجارات التي تمزق بشرا وتقوض مدنا وإنما الأسهم النارية احتفالا بالانتصار ولا تعكر أحلامهم عيون ضحاياهم
ـــ 3 ـــ
ما الذي تغطيه هذه الغامضة المسماة «الحرب»¿…
الحرب تغطية على رغبة استمرار كل الأطراف الفاشلة وهيمنة القوى الواحدة برغم فشلها ومحاولة صناعة مغناطيس كبير لكل الناس الذي أوقفوا القاطرة ودفعهم إلى لعبة الأبطال الجدد المتصارعين على وراثة الانهيار.
كل اللافتات والرايات لن تساوي ثمن حرقها وأبطال هذه «الحروب» ليسوا سوى دمى إعلام يغسل في عقول ميتة.. أما الضحايا فلهم الحق وحدهم في تأسيس المستقبل على قواعد لا يتكررون فيها… ليست يوتوبيا لأن اليوتوبيا قديمة ولكن على أساس أن كل ما أو من يبرر الموت ملعون… والأصل هو الحفاظ على الحياة لا إهدارها في سبيل أي شيء أي شيء…
فكل ما يموت الناس هنا من أجله أو بسببه الأن سيسقط في فجوة الزمن التي نعيشها كمثيرات للضحك الأسود.

قد يعجبك ايضا