العـدوان وامتحان المواطنة!

صدمة كبيرة أن تجد يمنيا يساند عاصفة الحزم التي لم تعصف سوى بضعاف النفوس فأودت بما تبقى لديهم من قيم وطنية كانوا يتباهون بها حتى وقت قريب.
لقد أماط العدوان السعودي على بلادنا اللثام عن تصدعات في جدار الوطنية اليمنية تمثل في تشفي البعض في قوة سياسية بعينها يظنون أنها مستهدفة لذاتها وأن أضرار العدوان سيقتصر عليها دون غيرها.
لا شك أن الأزمات والمناكفات السياسية التي عصفت باليمن في السنوات الأخيرة قد أفضت إلى تطرف سياسي هنا وهناك وصل بالبعض إلى حد إنكار هويته اليمنية. غير أن العدو الخارجي عادة ما يوحد الجبهة الداخلية ويدفع بأطرافها إلى تجاوز خلافاتهم السياسية على أساس أن الوطن وسيادته يظل خطا أحمر لدى كل الفرقاء.
وإذ جاء العدوان الخارجي في ظل تباين سياسي حاد على مستوى النخبة فإن نفسيات المواطنين أيضا قد تأثرت بالصراع المحتدم وإفرازاته الجهوية والمناطقية والطائفية ما جعل البعض ينخرط في رؤى ومواقف تدل على اهتزاز مفهوم الوطنية وتراجع الشعور بالانتماء للوطن لدى شريحة كبيرة من اليمنيين.
وبدلا من أن يتوحد الجميع في وجه العدوان الخارجي نجد البعض مستغرقا في تفاصيل المشهد الداخلي ومنتشيا إزاء الجرائم التي تستهدف اليمن أرضا وإنسانا ما يؤكد أن أزمة المواطنة قد استفحلت بالفعل وغدت داء عضالا يتهدد نسيج المجتمع واستقراره حاضرا ومستقبلا.

السؤال يطرح نفسه: ما الذي أوصل البعض إلى حد التماهي مع العدوان الخارجي واستدعائه على هذا النحو المخزي¿
لست بصدد تقديم إجابة شافية ولست في مقام تقديم درس في الوطنية إذ لا مكان ولا معنى للمزايدة هنا.. وادعاء الشيء قد يكذبه الواقع.
بيد أن  محاولة البحث عن إجابة قد لا تكون متأتية في عجالة كهذه تفرض التنبيه إلى مخاطر تنامي الهويات الصغرى المنتجة – في حال التعصب لها- للتطرف والعنف وتزايد الشعور بالاغتراب داخل وطن لا يوفر الكرامة لجموع المواطنين.
لقد كانت المصالحة الوطنية الشاملة مطلبا ملحا ومطروحا على طاولة حوار المكونات السياسية إلا أن القوى التقليدية تعامت عن أهمية هذه الخطوة. وعندما أحست أن خطرا يدهمها سعت إلى بحث مصالحة داخل طرفي النظام السابق لا أكثر لكن هذه المحاولة باءت أيضا بالفشل.
جاء العدوان إذا وسط صراع سياسي حاد دفع البعض إلى استدعاء الخارج وكأن المسألة مجرد تكتيك سياسي وليست خروجا على الوطن وترديا في وحل العمالة والخيانة.
وبينما يمعن العدوان في استهداف اليمن يتمادى البعض من أبناء جلدتنا في تبرير جرائم قوى التحالف ويطالبون بالمزيد منها عبر تصريحات متلفزة مدفوعة الأجر.
لا بأس فإذا كانت القلة قد سقطت في امتحان المواطنة فإن غالبية الشعب اليمني قد سطرت ملحمة من الفداء والصمود. وشهدت معظم مدن ومناطق البلاد تظاهرات حاشدة تندد بالصلف السعودي وتؤكد على التلاحم الوطني في وجه العدوان. كما تدفق الآلاف من الشباب الوطني إلى المعسكرات تلبية لدعوة النفير العام. وعما قريب ستجد السعودية نفسها أمام مصيدة حقيقية فاليمن كانت وستظل مقبرة الغزاة والمعتدين.

قد يعجبك ايضا