حرب اليمن: الجرح إذ يلتهب
ربيع بركات
ليست حرب اليمن كسائر المواجهات في الإقليم. بل لعلها تؤرخ لبداية مرحلة جديدة في صراعات الشرق الأوسط.
أول معالم هذه المرحلة اندلاع النار عند البوابة الجنوبية للمملكة العربية السعودية بعدما كانت بمأمن نسبي من خلافة «داعش» وإمارات «النصرة» و «القاعدة» إذ يفصلها عن الجماعات تلك في المشرق شريط أمني وديموغرافي يمتد من الأردن حتى جنوب العراق.
فيما ثاني المعالم يتمثل بقيادة المملكة مواجهة مباشرة مع خصومها في اليمن بعدما اعتادت خوض حروب بالوكالة أو الانضواء في حملات عسكرية دولية على مدى عقود علما أن آخر حرب أطلقتها النخبة السعودية الحاكمة (لا شاركت فيها فحسب) كانت حرب التأسيس الثالثة التي امتدت على دفعات بين 1902 و1932. بهذا المعنى فإن ما يحصل اليوم يعد سابقة تاريخية للدولة السعودية الحديثة.
بينما يتصل ثالث معالم المرحلة بإعادة الاعتبار للمواجهة المباشرة مع «المشروع الإيراني» التي أطلقتها حرب الخليج الأولى لكن برؤية ومضمون خطابي مختلفين هذه المرة. فـ «البعث» الحاكم سابقا في العراق سوق للحرب في ثمانينيات القرن الماضي بصفتها «دفاعا عن البوابة الشرقية للأمة العربية» فيما حرب الرياض اليوم تغازل تركيا وتستدعي باكستان إلى صفوفها وهي ترص هذه الصفوف بناء على عصبية مذهبية في الغالب لا «قومية» كما كان الحال عليه في الماضي.
وحرب اليمن التاريخية للأسباب المذكورة وخلافها تفتح جراحا يصعب أن تندمل قريبا. والجراح هذه تلتهب باستفحال المواجهة وامتدادها زمنيا حيث المواقع والمواقف تحدد بالدم وحيث العداوات تتعدى الحدود اللفظية والحمولات العقائدية لتترجم على أرض الواقع معارك مفتوحة على احتمالات شتى.
هكذا يلتهب الجرح اليمني لدى قطاعات عريضة في البلاد مع استمرار القصف الجوي الذي يسقط في ما يسقط أعدادا من المدنيين ويهدم بنى تحتية ويلتهم مقومات ضرورية للحياة. فالمضاعفات الإنسانية للحرب اليمنية تتفاقم. واللجنة الدولية للصليب الأحمر شخصت الحالة الراهنة بالبساطة التالية: لقي المئات حتفهم (نتيجة المعارك والضربات الجوية) فيما مصير الجرحى المتزايدة أعدادهم معلق أحيانا كثيرة على نجدة طبية مطلوبة خلال ساعات وهو ما يتعذر تأمينه حتى الآن. أما التقارير الصادرة عن «منظمة العفو الدولية» وأمثالها فتضيف أرقاما موثقة لضحايا الغارات.
القتلى المدنيون في اليمن حقائق كذلك هم المهجرون الذين فاق عددهم المئة ألف وفق «اليونيسف» سواء سلط الإعلام ضوءا عليهم أم أغفل أمرهم. علما أن إغفالهم لا يفيد في دمل الجراح بل يزيد من اتساعها.
والحرب إن امتدت تجعل من الموتى وقودا لمرارات قادمة وتصوغ وعيا جمعيا بالحديد والنار وتتناسل منها حروب فرعية وتتداخل أخرى معها إلى أن يصعب فك أحجيتها حتى من جانب قوى الإقليم المعنية بالمشهد.
ثمة محاولة اليوم للدفع باتجاه تدخل بري يترجم ما تعجز الغارات الجوية وقوى الداخل اليمني المناوئة للحوثيين وحلفائهم عن تحقيقه. هل يصل الأمر إلى حد أن تطأ قوات باكستانية أرضا يحكمها تنظيم «القاعدة في الجزيرة العربية» فيما تقاتل القوات تلكالتنظيم الأم في باكستان¿ وهل يمكن أن يشارك جنود مصريون في حملة يواكبها تنظيم «داعش» الذي أعلن استهدافه الجيش المصري في سيناء قبل أيام¿
الصورة سوريالية بامتياز أو أنها تكاد أن تكون.
موضوعيا يصطف اليوم أنصار الرئيس المتراجع عن استقالته عبد ربه منصور هادي فضلا عن العناصر المقاتلة في حزب «الإصلاح» («الإخوان») وبعض القوى العشائرية المناوئة للحوثيين في خندق واحد مع تنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية». لا يعني ذلك توافقا في العقيدة أو الرؤى السياسية لكن العدو المشترك يوحد التجمعات المذكورة ميدانيا.. إلى حين.
على أن النتوءات ينتظر أن تظهر بين المكونات تلك عاجلا أم آجلا. لا شيء يدل على أن القاعدة المعمول بها في سوريا ستختلف على أرض اليمن. وآخر النتائج في الشام في هذا الإطار تجلت في مخيم اليرموك: دخل تنظيم «داعش» إلى المخيم انضم إليه عناصر من تنظيمات جهادية أخرى وقام التنظيم باجتثاث «أكناف بيت المقدس» المشكلة أساسا من أبناء المخيم الذين يقاتلون ضد النظام على تخوم دمشق.
«نموذج الرقة» كما تكرر في شمال حلب على أيدي «النصرة» في مواجهة فصائل «معتدلة» قابل للتكرار أيضا في يمن مبعثر وفي ظل مؤسسات دولة منقسمة على ذاتها وعاجزة عن العمل.
فلنتخيل تثبيت أركان إمارة «قاعدية» أ