من ينتصر في اليمن¿

«هذا ليس احتجاجا بل صلاة: لماذا خلقتنا هكذا حقلا من الفحم الحجري وتدوسنا أحذية مرصعة بالماس¿».
اليمن يعامل الآن وعلى ضفتي الصراع كما قال الفرنسي (الآخر) ايميه سيزير مثل حقل من الفحم الحجري الذي يفترض أن يحترق ويحترق ليغدو حقلا من الرماد. هي رقصتنا رقصة القبائل ورقصة الامبراطوريات على أرض سبأ…
يقول الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح «ذهبت قدما بلقيس من ذاكرتنا وبقيت قدما شهرزاد». يا أمة… يقودها شهريار!
كلام الى طهران والرياض: لتتوقف مطحنة العظام في اليمن. البعض تناسى أنها عظام بشرية وأنينها يطرق باب السماء. من قال إن أنين المحطمين يصل إلى السماء¿
الآن قرع الطبول. على الشاشات الانفجارات في صنعاء وحيث تتصاعد النيران بألوان قوس قزح. كعربي تسأل: لماذا لم نر هذا المشهد البهي في اورشيلم أو حتى في صحراء النقب¿ لاحظتم مدى السذاجة في السؤال…
لن يبقى هناك حوثي على وجه الأرض. هذا هو القرار الاستراتيجي الذي اتخذناه وبمؤازرة إخواننا في باكستان. ومع رفضنا أي شكل من أشكال التدخل الإيراني لا بد أن تعترينا الدهشة حين نرى أن الشرعية في اليمن تتمثل في ذلك العكاز الخشبي بل في ذلك الإناء الفارغ بل في تلك الدمية الثقيلة الظل التي تدعى… عبد ربه منصور هادي.
كما لو أنك تنفخ ضفدعة لتصبح ثورا. من فضلكم أيها الأشقاء العرب اختاروا رجلا آخر ليلعب دور سيف بن ذي يزن. هذا الذي رفعتموه على أكتافكم لا يصلح سروالا للحارس الذي على ضريح سيف بن ذي يزن…
الشعار الاستراتيجي الآن ويتناهى إلينا من ديبلوماسيين عرب أن من ينتصر في اليمن ينتصر في العراق وفي سوريا وفي لبنان (فلسطين انتقلت للتو الى المريخ). أي يمن سيبقى اذا بقي النفخ في الأبواق وفي النيران بل إذا بقي النفخ في العدم¿ وهل يتوقع أحد أن ينتصر في اليمن وحتى إذا ما رفع أيديهم عنه الإيرانيون (وقد رحنا نصفهم بالفرس لكي نستنفر ذلك التاريخ الذي مات فينا من زمان أو متنا فيه من زمان). لا أحد يمكنه أن ينتصر على أحذية الفقراء المشكلة أكبر بكثير من الحوثيين الذين لم يكونوا اختراعا إيرانيا. المشكلة في اليمن وكيف يدار من الخارج وكيف يدار من الداخل…
قبل ذلك القرار الاستراتيجي بإعادة اليمن مائة عام الى الوراء تضاف الى المائة عام الأخرى كان هناك قرار استراتيجي آخر بأن يبقى هذا البلد الذي يشبه رجاله تضاريس أرضهم في قاع القرن إذ ماذا فعلنا له سوى أننا كرسنا نظام ذلك البهلوان وذلك الطاغية وذلك القرصان علي عبدالله صالح وسوى أننا كنا ندفع رواتب شهرية لعشرات الآلاف من رجال الدين الذين كانت مهمتهم إبقاء الناس في تلك الثلاجة الايديولوجية التي لا تليق حتى بالعصر الحجري…
عن شيوخ القبائل حدث ولا حرج. القليل منهم من يتمتع بالحكمة. الآخرون ضيوف شرف على سوق النخاسة…
لا أحد سينتصر في اليمن. الفقراء الذين يموتون مرتين يعيشون أيضا مرتين. ولا أحد سينتصر في العراق وفي سوريا لأننا حيال ذلك التقاطع المريع بين لعبة الأمم ولعبة القبائل. من هم القتلى الآن- القتلى إلى الأبد- سوى… العرب¿
يقول لنا صديق يمني وكان مستشارا لعلي عبدالله صالح ثم ابتعد «لم يتعامل معنا العرب على أننا مخلوقات من الصخر بل على أننا مخلوقات من التنك». يضيف «لسنا مخلوقات من التنك ولدينا الكثير من الموت لنبقى على قيد الحياة».
في الساعات الأخيرة في السنوات الأخيرة ظهر أن سوريا خط أحمر وبالخط العريض. لن يطأ الأتراك ولا الإسرائيليون الأرض السورية وليأخذ رجب طيب اردوغان قبر جده سليمان شاه وهو القبر الاصطناعي (والمضحك في آن) الى بلاده إن كان يعتبره رمزا للسلطنة ولعله لا يدري ما حدث للسلطنة التي أراد أحمد داود أوغلو إعادتها بزخرفة جديدة فإذا بعباءة الخزف تسقط من الوهلة الاولى كما من الوهلة الثانية على أرض سوريا وعلى أرض العراق…
…على أمل أن توحد العراقيين معركة تكريت وكانت اختبارا فذا لوحدة الدم ولوحدة البندقية في وجه المغول الجدد بمنأى عن جدلية الصراع بين السنة والشيعة. الصراع المبرمج الذي إذ يدفع بنا إلى مستودعات الغيب يمد أنظمتنا الرثة بأسباب البقاء. البقاء للدمى أم البقاء للاحافير البشرية¿
تقديرات الخبراء تقول إن ثمن القنابل والصواريخ التي ألقيت على اليمن حتى الآن يتعدى النصف مليار دولار مع توقع أن تحتاج «عاصفة الحزم» إلى عشرة مليارات دولار وربما إلى مائة مليار دولار. ماذا لو ألقت قاذفاتنا أكياس الطحين بدل القنابل على اليمن¿ هل كان بقي موطئ قدم للآخرين¿
لا اليمنيون ليسوا بحاجة إلى أكياس الطحين. هم بحاجة الى من يتعامل معهم على أنهم كائنات بشرية وتستحق الحياة لا كائنات هجينة وتقتات من فتات ألف ليلة وليلة!
* جريدة (الديار)

قد يعجبك ايضا