عزيزة .. بين عاصفتين !
لم تفلح في إقناع أقاربها بالنزوح إلى تعز لتحاشي أخطار العاصفة الهوجاء التي ضربت العاصمة . وفي مساء اليوم الرابع نهضت من نومها مفزوعة لتخبرهم بأن العاصفة وصلت تعز ” بحثا عن عفاش الذي هرب من صنعاء وأختبأ في تعز كما يردد البعض في المدينة ” .
أول مرة تبدوعزيزة بهذا الضعف والإرتباك . أعرفها شجاعة وذكية بالفطرة . لا تخشى السعودية ولا عسكرها وأتذكر مواقفها الجريئة وانتقاداتها اللاذعة لعناصر الأمن السعودي حين ذهبت لأداء فريضة الحج قبل عامين .
وبمجرد دخول الباص الذي يقل قافلة من الحجاج الحدود السعودية كانت عزيزة تتأمل يمينا وشمالا وتهمس لزوجها بحسرة : هذه الأرض كلها يمنية ..
وحين استقبلهم عناصر الأمن السعودي بالعصائر والمياه رفضت حصتها وخاطبت الشرطي السعودي : ” مانöشاش مائكم ولا عصيركم نöشاكم تردوا لنا أرضنا بس “. يلكزها زوجها بمرفقه فلا تأبه .
عزيزة سيدة يمنية في العقد السادس . لا تتحدث الإنجليزية كـ نادية السقاف . لا ترأس منظمة حقوقية ولا تنتمي لأي حزب وفي حياتها لم تدخل مدرسة ولا كتابا .. تزرع المشاقر وتوزعها بالمجان ولا تتاجر بها كـ أروى عثمان .
ليس لها حساب في الفيسبوك كـ بشرى المقطري التي خصصت صفحتها هذه الأيام لحصر أعداد وأسماء القتلى والجرحى الجنوبيين الذين يسقطون ” ضحايا غزو قوات عفاش وميليشيات الحوثي ” بينما تتجاهل المئات من الضحايا الذين يسقطون بفعل العاصفة الهوجاء القادمة من خارج الحدود .
عاصفة التضليل
يعلم الخارج وعشاقه في الداخل أهمية تعز ودورها التاريخي الفاعل والمؤثر في الكثير من المراحل النضالية التي شهدها اليمن شمالا وجنوبا وأنها بمثابة شوكة الميزان في المعادلة السياسية اليمنية . ولذلك كان لا بد من تحييدها ليتمكنوا من تنفيذ مخططهم في اليمن بهدوء .
وخلال السنوات الأربع الماضية تعرضت تعز لعاصفة ناعمة من التضليل والتخدير عبر المال والإعلام واللعب على أوتار المذهبية والمناطقية وتم تجنيد المئات من الناشطين والإعلاميين والسياسيين من أبناء المحافظة وخارجها لهذا الغرض .
عزيزة التي تعتقد أن “عاصفة الحزم ” تبحث عن ” عفاش ” في تعز هي واحدة من ضحايا عاصفة التضليل التي تشبه حقنة التخدير قبل العمليات الجراحية وهي عاصفة تضرب المحافظة منذ سنوات ليتمكنوا من تنفيذ مؤامرتهم لتدمير اليمن وتفكيكه بهدوء .
حتى الأن تبدو تعز وكأنها لا تشعر بآلام عاصفة الحزم التي أدمت الجسد اليمني من شماله إلى جنوبه . فهي لا تزال تحت تأثير التخدير والتضليل وكثير من أبنائها يعتقدون أن عاصفة الحزم ” هبت لإنقاذ اليمن ” كما يقرأون في العناوين العريضة على صدر صحيفة الجمهورية التعزية وكما يتردد باستمرار في قنوات العربية والجزيرة .
همجية في الحرم المكي
مهما كانت قوة التخدير لا بد أن ينتهي مفعوله . ستصحو تعز عاجلا أم آجلا . ستتذكر عزيزة الهمجية السعودية تجاه اليمن واليمنيين .. الهمجية
التي ذاقت مرارتها في الحرم المكي حين هوت كف شرطي سعودي على ظهرها وهي
تملئ زجاجة ماء من حنفيات زمزم .. ” ممنوع يا حجة ” .!
لم تسكت عزيزة أمام تلك الهمجية التفتت نحو الشرطي بغضب . رمت الزجاجة
التي أخطأت وجهه وانفجرت بالجدار.. صرخت في وجهه وهي تسأله بإستغراب :
” كيف عرفت أنني يمنية لماذا تمنعني دون باقي الجنسيات أنتم السعوديون تستهمجون اليمنيين “.
وضعت عزيزة الشرطي في مأزق أخلاقي وتحول أمام الجميع إلى متهم يحاول التكفير عن خطأه .. رفضت إعتذاره وسماحه لها بالتزود بالماء وذهبت وهي تقول : ” رح لك جيبي مليان فلوس ششتريلي من خارج .. ” . .. وفي الحرم النبوي تلك هي عزيزة وذلك هو معدنها التعزي اليمني الأصيل .. عزيزة التي تحولت في باحة الحرم النبوي إلى ناشط حقوقي من الطراز الأول وهي تستنكر همجية شرطي سعودي آخر وقسوته تجاه طفل في الثانية عشرة كان يمرح في باحة الحرم .
عرفت عزيزة من صراخ الطفل وهو يستغيث ويتألم ان لهجته يمنية . لوى الشرطي ذراعه بعنف واحتجزه في كشك حراسة فأعتصمت أمام الكشك مطالبة بالإفراج عن الطفل .
توجه رفاقها لزيارة قبر النبي وجلس بعضهم يرقبونها من بعيد بينما كانت مهمة الإفراج عن الطفل ـ بالنسبة لها ـ أهم وأولى من زيارة قبر النبي .. ولم تبارح مكانها إلا بعد الإفراج عن الطفل الذي أنطلق كطائر كان في القفص .
توجهت عزيزة إلى المملكة ” وجيبها مليان فلوس ” بينما خرج من يصر أنه رئيسا شرعيا لبلدها عريانا إلى عمان قبل أن ينقل إلى الرياض ويرأس وفدا يمنيا إلى قمة شرم الشيخ على نفقة المملكة كما هو الحال أيضا في عشرات الإعلاميين والناشطين الذين غادروا اليمن قبل شهرين من بدء عاصفة الحزم ليستقروا في عواصم عربية وأجنبية على نفقة المملكة وقطر وقد كانت مغادرتهم أشبه بعملية إجلاء مبكرة .
aassay