وقفات للكلام قبيل أمواج الهلاك
يستدعينا الموت القادم من حشود الاحتراب ونذر الاقتتال أن نتوقف للكلام قليلا, ولو لقول وصيتنا الأخيرة, أو رثاء ما سنراه كثيرا من دمائنا وجثث القتلى على الأرصفة والسفوح, وفي الجبال والوديان على كل اليمن.
يحق لنا أن نتوقف قليلا لنبكي ما نحتشد له جميعا من سفك الدماء التي تسيل من قلوبنا جميعا وبيننا جميعا, يحق لنا أن نعزي أنفسنا في دم سفحناه غزيرا, ونصر على المزيد منه إرضاء لشهوة الملك وأطماع السلطة, يحق لنا أن نتوقف قليلا وقد حق لنا أن نقرر القتل لنا وبنا وأن نستدعي الخارج للقتل , لنرى ما إذا كان العقل سيعود من غيبوبته حاملا لنا وعدا منتظرا بالسلام وحلما بالحياة, فهل نتوقف أمام ما يستحق أن نقف له, ونتوقف عنده, بعد لهاثنا كثيرا خلف أوهام النصر المصنوع بدمائنا على أنقاض الشعب وأطلال الوطن في يمن كان تاريخا لحياة مزدهرا بالأمن والسلام.
لا حق لنا في البكاء والرثاء, ما دمنا نحن القاتل والمقتول, فكيف نبكي ضحايانا وقد كنا نحن من حمل السكين وذبح الأعناق, وسفك الدم المصان بقدسية الحياة وقداسة الأحياء¿ كيف نبكي ونحن من أعد القتلة وجهز الأسلحة واستدعى قذائف القتل ورصاص الموت على أجسادنا وأولادنا والأمهات اللائي يحملن الحياة ويلدنها أجيالا ترثنا على أرض لم نبق منها ما يسع الحياة, ووطن لم يعد فيه ملاذا للبقاء والاستمرار لأي جيل¿! فلم نبكي ونحن ضحايانا في البدء والختام¿!
ومن حقنا على أنفسنا التي أغواها الحقد وغرتها الأطماع والشهوات أن نتوقف لنسأل أنفسنا الأمارة بكل سوء, عما إذا كان من الخير لها أن تستبدل الموت بالحياة والخراب بالعمران, فتتراجع عما هي فيه من غي وضلال لترى سبيلا للرشد ينفتح لها بغير احتراب واقتتال, وفي هذا يحق لنا جميعا أن نراجع قرار الحرب ونتراجع عن سبيل الموت ونتوقف بعيدا عما ينفتح لنا من موت وخراب.
يستدعينا الموت الذي رفعناه راية للقتل والاقتتال, إلى وقفة مع النفس وبها لنحيي فيها ومعها ما أماتته الأحقاد وقتلته الأطماع فينا من حب الحياة وتقديس الأحياء, ولنتوقف عن سفك الدماء وإفساد الأرض وما عليها من حياة وأحياء, ولن نخسر بحب الحياة شيئا ولن يكلفنا منح الحياة ما تستحقه من تقديس قليلا مما سنخسره أو سنتكلفه إذا أخذنا الغرور والاستكبار إلى ساحات الموت والاقتتال وإلى استدعاء قتلة الحياة من أبناء جلدتنا عرب الاسم واللسان .
لا يستدعينا الموت بل نحن نستدعيه إلينا وعلينا, ويحق لنا أن نتوقف عن ذلك, ونحاول في زحام الموت المخيم على الأوجه وفي الأرض, أن نستدعي الحياة, وأن نقدس لها وبها ما تستحقه من تقديس للناس وبالناس على الأرض وفيها, وقد حان وقت قيامتنا لنقف قبيل أمواج الهلاك صارخين بوجه الموت بالحياة ولها, فهل تنقذنا الحياة من هلاك قائم في طبول الحرب ونيران الاقتتال¿!