رسالة الخروج

يحيى الحمادي



مöن مكان ما _شرق الأرضö_ أنظر إليك الآن.
كم تبدو مثيرا للشفقةö و التوجس مöن بعيد أيها اليمن السعير! كم هو مؤذ و باعöث للقرفö مشهد أبنائك الذين يتنازعونك من كلö الجهات, كم هو مخجل إلى حدö الوجع ذلك الصراع المحموم و المتجذöر على ما تبقى مöن لöحافöك و أسنانöك المعدنيةö و خاتمöك العقöيق “خاتمö الأبوة”.
إنهم يتقاذفون بالكلامö و بالجثثö أمامك و مöن خلفöك, إنهم يتشاتمون.. و وحدك ملتقى الشتائمö و النكد.
.
مöن مكان ما _شرق الأرضö_ أكتب إليك الآن:
تنهدت كثيرا و غشöيتنöي الرجفة و أنا أغادöر عنك, لم أكن أتخيل أني أحبك إلى هذا الحد, الحدö الذي جعلني ألتفöت إلى الوراء و أتساءل كالولد الوحيدö لöأبيه:
كيف لي أن أترك هذا المسكين هنا و عليه كل هذه الحروق و هذه الأكوام من العقوقö و الجفاء.. و أغادöر¿!
كيف لي أن أتخلى عنه في هذا الظرف و هو يترنح و يرجöع البصر كرتينö إلى كل الجهات دون أن يلوح في الأفق البعيد أحد لöيمنع عنه ما يلقاه أو يلقöي عليه السلام, و لو من باب الأجر¿!
كم أنت حبيب و كبير و كثير يا وطني.. و لكن في نفوسنا نحن معشر المسحوقين الذين رفضنا أن نكون في صف هذا أو ذاك في حرب استنزافك و نضوبك, و بقينا مكتوفي الأيدي مكتفöين بشمعة أمل و دمعة خذلان.
نحبك و لا ندري لماذا نحبك, ربما لأننا مشاريع صراع جديد سيأتي على ما تبقى منك “كما زعم و يزعم عاشقوك” أو لأننا آثرتنا بهذا الحب و هذا البöر فقلنا: رضöينا.. رضöينا.
.
مöن مكان ما _بعيد عنك_ أسöر إليك:
كنت غارقا بالوهمö حد السذاجة حينما اعتقدت أنني لا بد و أن أبتعد قليلا عنك, لكي أنفض عن روحي قليلا من الغبار الذي تكوم عليها على مدار خمسة أعوام نزفت فيها ما لا يحصى من القصائد و ما لا يصدق من القهر و الأسى.
كنت مغفلا جدا و أنا أترك أقلامي لديك و أوراقي زاعما أني ذاهب للترويح عن روحي بعد أن شعرت أني بدأت بأكلö عمري بملعقة كبيرة!
أدري أنك لم تقرأ لي حرفا قط, و ربما لم تسمع بي, و لست ألومك في هذا إذ كيف لöمحاط مثلك بكل هذه الجلبةö و الغبار و البارودö أن يستفيق على صوت قصيدة أو ينام على أصابع عازف أو تنهيدةö عاشق¿!
.
مöن مكان ما _لا يشبهك_ أهمöس في أذنك:
لقد تأخرت كثيرا يا وطني.. تأخرت كثيرا, و الأدهى من ذلك هو أنهم ما زالوا يشدونك إلى الوراء.
كم تمنيت _و أنا أطöل الآن مöن هذا المكان الشاهق و المحاطö بكلö أسباب و ألوان السعادة و الهدوء_ كم تمنيت لو كنت معي, ليس لأنك في أمسö الحاجة إلى هذه الراحة, ربما أكثر مني, لكن لكي تصدقني و لو لمرة واحدة أنك تأخرت.. تأخرت كثيرا.
كم تمنيت و أنا أحمúلöق في الأفق البعيد هناك أن تشعر و لو لمرة واحدة بالغربة المرةö التي يتجرعها أبناؤك, أولئك الذين أرغöموا على فراقك لكي يعيشوا, يعيشوا فقط, بعد أن أحاط بك كل هؤلاء المرتزقة و ضربوا حولك سياجا من اليأس و النكدö مانöعöين ملايين الناس ممن يكöنون لك كل الحب من الاقترابö منك و السلامö عليك, لقد غادر أغلب محبيك يا وطني, غادروا حاملين حبهم الصادق و أملهم المتبقي بعودتك إليهم و عودتهم إليك, لعلك لم تشاهد بعضهم ذات مساء و هم يلتحöفون بك و يهتفون لك بالفداء و الولاء من على المدرجات, لكني رأيت و سمعت, و أدركت أنك لست ضعيفا و لا وحيدا, كل ما ينقصك هو أن تريد.. أن تريد فقط.
.
من مكان ما _شرق الأرضö, بعيد عنك, و لا يشبهك_ أحبك

قد يعجبك ايضا