الملامح الدلالية لضمائر السرد في المجموعة ” عندما تحكي المرايا “
علي أحمد عبده قاسم

يشكل خطاب القصة القصيرة قضايا إنسانية اجتماعية وسياسية وغير ذلك من الهموم الإنسانية المتعددة خاصة وإن القصة القصيرة كثيفة مدهشة بتأثير عميق في المتلقي ولأن الخطاب السردي في هذا قد يأتي بصيغة ضمير ما في نص من النصوص لدلالات مضمون النص باعتبار أن ذلك يتواءم والرسالة التي يريد أن يعكسها ويرسخها الكاتب في الملتقى ويشكل بصمة خاصة ودلالات متعددة فإن نصوص القاص / محمد السقاف امتازت بأسلوب لغوي تشكل فيه الصورة بخيال خصب مجنح ويترافق بذلك سيطرة ضمير في النص القصصي ليعكس بل يناسب الفكرة التي يريدها النص وقد يمتزج النص بأنواع الضمائر وفي هذه القراءة سآخذ ملامح الدلالة لضمائر الشيء في المجموعة التي أسماها ( عندما تحكي المرايا ) وهذه فازت بجائزة رئيس الجمهورية للقصة القصيرة في إحدى دوراتها وإذا كانت الحكاية هي الحدث العميق في الحياة وفي الحياة الإنسانية المختلفة فإن ( المرايا ) هي معادل رمزي للحياة وللنص القصصي نفسه ولرؤية الكاتب حول ذلك الحـدث وسأبـدأ بقراءة نص ( عنب في غصونه).
ولأن المرأة هي ذلك الاتزان العقلاني التي تضفي على الحياة الجمال والبياض السعيد وفي الوقت الذي تخرج عن تلك السمات فإنها خرجت عن سمة ( المرأة الأنثى ) ففي نص ( عنب في غصونه ) يصف السرد المرأة ( كانت صديقتي العنبة حلوة للغاية وكان وجهها مستديرا كالقمر , إضافة إلى أنها كانت بيضاء تماما مثله , لكنها رغم قواسمها المشتركة الكثيرة مع القمر ورغم حياتها المترفة في الحقل كانت تهيم دوما بتسلق الحرية وتتذمر بشدة من رتابة الحياة في كنف العنقود ) صـ15 .
مما سبق يلحظ القارئ أن السرد جاء بضمير الغائب ( كانت صديقتي كان تهيم , تتذمر ) وهذا السرد بهذا الضمير جاء ليصور ويصف المروي له ( المرأة ) ويبعد الراوي عن المعرفة اليقينية بالأحداث فضلا أن السرد بهذا الضمير يتيح فرصة لرسم صورة للحدث بشظاياه وجوانبه المختلفة لذلك ماجاءت تؤيد ما يريده السرد ( صديقتي حلوة للغاية , وجهها مستدير , كانت بيضاء تماما مثله حياتها مترفة , تهيم دوما بتسلق الحرية , تتذمر بشدة من رتابة الحياة في كنف العنقود ) كل هذه الصور السردية الممزوجة بالرمز تأتي لتوضح الشكل الظاهري للمروي ورسالة ضمنية للمتلقي ليدخل في الصراع مع حدث القصة وحكايتها الأولى فكانت عبارة ( تهيم بتسلق الحرية , تتذمر من رتابة الحياة في كنف العنقود) هي الحبكة المثيرة في البنية السردية إشارات تصور حيوات (المرأة) وعقليتها (تهيم) جنون ابتعد عن العقلانية والواقعية (بتسلق) رغبة بعيدة وغير طبيعية في خلق حياة وهمية ربما تتسم بالضياع .
ولأن السرد بضمير الغائب قد يعكس اقترابا من المروي حتى يكون المتلقي في حالة من الاشتباك والتصديق للنص المسرود ( وفي ليلة ماطرة ارتطمت بالأرض ثبت لها بلا مجال للشك حقيقة ضعفها تيقنت تماما أنها تنوء عن الحركة مسافة أبعد من هذه ) صـ15 .
مما سبق يتضح للقارئ الحركة المتناقضة مع الرغبة بالتحرر ( ارتطمت بالأرض ) ليعكس السرد بضمير الغائب حقيقتها والواقع يوصف مغايرا تماما لرغبتها في التحرر المنطلق من التيه والضياع ويتدرج السرد بوصف المشهد ( تيقنت تماما أنها تنوء عن الحركة مسافة أبعد ) بوصف طبيعة الضعف وحتمية الواقعية مغايرة لخيال حلمها اللاواقعي.
ولأن السرد في ما سبق جاء بضمير الغائب وبحوار داخلي ( مونـولوج داخلي ) ليتكشف ويستبطن صراعا ما بين الرغبة المجنونة حتى يتأنى للمتلقي أن يرسم صورة وصراعا ينعكس عليه ( ارتطمت بالأرض , تيقنت أنها تنوء عن الحركة ) بسرد متدرج جذاب وبلغة ترغب بإقناع المتلقي . ولأن السرد في النص امتزج بالرمزية بقصدية الالتزام الأخلاقي ومواكبة الواقع ورسم ظاهرة طارئة على المجتمع عموما ( بكت وبكت إلى أن حضر الصباح الباكر وبمعيته صاحب الحقل الذي ظل يوبخها ويعنفها ولم تجد ما تقوله , لم تعثر على عبارة تعينها على الدفاع عن نفسها أمام طوفان الأسئلة ) صـ15 .
من السرد الذي سيطر عليه الضمير الغائب (هي , هو) ومن خلال لغة السرد يكتشف المتلقي أن الانسلاخ من الأصل يفضي للتيه والضياع (وبكت) وبكت إلى أن حضر الصباح الباكر) مما يفضي إلى الارتطام بالظلام وضياع جراء حلم مجنون قد يبلغ حد الجريرة والجرم (لم تجد ما تقوله في التحقيق ) لم تعثر على عبارة تعينها أمام طوفان الأسئلة ) ولأن السرد بضمير يفضي على النص طابع العمومية وينأى به عن التعيين والتحديد ويعطي النص مصداقية وإثارة وقد اختار ( عنب في غصونه ) عنوانا للنص ليعطي دلالات أبرزها الارتباط بالأصل علاوة عن الجمال والسمو والارتفاع لفاكهة هي أشبه بشيء خاص له مذاقه ومواسمه وفوائده وأيضا ندرته وخصوصيته لكن عندما تسقط من الغصن الرمزية على الإنسان والحياة عموما ( حين انفرد رماها في حلقة بلا رحمة ) ودون تردد وحين