أحمد شرف الدين الإنسان..

جمال الظاهري


 - 
"وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر" نعم ما أصدق هذا الشطر من البيت الشعري .. بالأمس كان بيننا نعتد به ونتكئ على خبرته وإلمامه بحالنا كيمنيين وإدراكه لما

“وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر” نعم ما أصدق هذا الشطر من البيت الشعري .. بالأمس كان بيننا نعتد به ونتكئ على خبرته وإلمامه بحالنا كيمنيين وإدراكه لما أصاب حياتنا من خلل .. بالأمس كان سورا يحجب الرؤية على الأقزام وترتعش أمامه أقلام الأدعياء وتنكس عمائم القابضين للأثمان البخسة ثمنا للمبدأ .
ما أحوجنا اليوم إليه وإلى نصيحته وتفسيره وأسلوبه في الإقناع.. غادرنا مجبرا من غير توديع أو نصيحة ولا وصية لمن تعلق بهم وأحبهم وعمل على توجيههم .. غادرنا مجبرا بيد الخيانة والحقد يد الكراهية المقيتة التي تخشى النور والمعرفة والإدراك.
أحداث اليوم, تجعلنا نعيد التقدير والحسابات من جديد تذكرنا بالعظماء الذين غادروا أحبابهم نهائيا إلا من ذكراهم.. تجعلنا نشعر بمدى ظلمنا لأنفسنا وبمدى حماقاتنا التي نقترفها أو يقترفها بعض منا ..
إنه القامة التي كانت كلما حضرت في أمر عظيم ارتعدت لها فرائص الذين يبغونها عوجاء .. إنه من اقض مضاجع الأعداء والعملاء فتصيدوه غدرا وعيبا ظنا منهم بأن موته سينجيهم من استحقاقات الأيام القادمة, ولكنهم ولشدة غبائهم قد خلدوه قدوة وذكرى عظيمة يفاخر بها تلاميذه قبل محبيه ممن لم يعرفه إلا بعد مماته قبل من عرفه واستمع إلى اطروحاته وآرائه المستنيرة.
كان قلمه ولسانه مسعرا للحرب ضد الجهل والتضليل بالكلمة الطيبة يصليهم بنارها حربه معهم كانت غير متكافئة فقلمه أمام بنادقهم وشهامته وخلقه أمام دناءتهم ووضاعتهم.
إنه مرجعية اليمن القانون والتشريع الدكتور أحمد شرف الدين الذي اغتالته أيادي الغدر في مثل هذا اليوم .. غادرنا مخضبا بدمائه التي كان يدرك أنها قد تسفك في أية لحظة وفي أي زقاق بسبب ما حمل على عاتقه من مسؤولية أثناء مساهمته في مؤتمر الحوار الوطني الذي تحول بعد رحيله إلى غير وطني.
أغلبنا في هذه الدنيا قد ذاق وتجرع كأس الفراق, وعلقم الفقد, وفجيعة الوداع وسكب العبرات إما على أب أو أخ أو أم أو صديق, ولكن قلة من البشر هم الذين يجعلونك تحزن وتتحسر وتبكي وتتكسر في داخلك المواجع لفقدانهم مع أنهم ليسوا من أقربائك أو ممن عرفتهم يوما..
مثل هذه القامات وعند استحضار تاريخها وفضلها على الآخرين وسماحتها وحبها للخير فإن الحسرات والنحيب والدموع لهي معنى آخر معنى بحجم ما تمثله الحياة للجميع من سعادة وتعمير وإخاء وموتهم وبهذه الصورة يكشف عما يمكن أن يكتنزه ابن آدم في داخله من ظلام حالك وقبح ووحشية لا توازيها وحشية سكنة الغاب.
عام كامل مر مذ غادرنا افتقدنا إرشاده وزادت حاجتنا إليه عرفنا قدره كما لم نعرفه في حياته .. كان إنسانا بكل ما تعنيه الكلمة قبل أن يكون أكاديميا متخصصا .. كان الحب الذي يقف عند القرابة أو النسب أو المذهب أو المنطقة كان الفقير في غير حاجة والغني في غير شح الناصح الأمين للعدو والصديق على السواء لذا كان هواة الفوضى والنفوذ يقلقون منه ويعملون له ألف حساب ..!
لكنها الأقدار وحكمة المسير لها وسنته التي يريد أن يمحص بها ما في قلوبنا .. يعطينا القبس فإن لم نحافظ عليه ونعرف قدره تنزعه منا كي نتعلم أن ندرك مدى ضحالة معرفتنا وطغيان أنانيتنا وجهلنا.. الدكتور أحمد قبل أن يكون معلما كان مربيا وقبل أن يكون يمنيا كان عربيا وإسلاميا وعالميا بروحه وبعطائه الذي يعمر ويؤسس للحياة العادلة والكرامة الآدمية.
كان رحمه الله واسكنه فسيح جنانه مع الصادقين الموفين بما عاهدوا يشعر بأناتنا ويدرك ما نحتاجه في غير تزمت ولا نرجسية .. كان رجلا واقعيا يعرف قدراتنا وما يمكن أن نتحمله وما لا يمكن أن نقبله أو تستقيم حياتنا معه .. خسره أهله ومجتمعه وأمته وخسره حتى أعداؤه.. خسرنا رؤيته الثاقبة وحجته الصادحة وشجاعته في الحق والخير ..
عزاؤنا لأنفسنا اليوم أن دمك الطاهر ودماء رفاقك ومن آمن بما آمنت به إنها أثمرت ولم تذهب هباء ولم تضع كما ضاعت دماء الكثيرين من خيرة أبناء هذا الوطن الغالي .. عزاؤنا فيك أنك كنت حاضرا معنا في كل مصيبة وحدث جلل نستلهم منك السماحة والرأي السديد كلما ألمت بنا مصيبة أو نزل في ساحتنا خطب جلل يراد منه تفريق شملنا وتشتيت جمعنا وسلب حقوقنا .. رحمك الله يا ابن شرف الدين رحمة الأبرار وجزاك الله عنا خير الجزاء .

قد يعجبك ايضا