وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
د\عبد الله الفضلي
ونحن نستقبل يوم الثاني عشر من ربيع الأول للسنة السادسة والثلاثين وأربع مائة وألف للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم يجعلنا هذا اليوم وهذا الشهر نتذكر فيه القيم والمبادئ والمثل التي جاء بها الإسلام وبلغها الرسول الأعظم إلى الأمة, كما نتذكر لماذا أرسل الله محمدا نبيا لهذه الأمة , هل أرسله ليكون جبارا في الأرض يجز رقاب البشر أو أن يدعو إلى الإسلام بالقوة وبالغلظة والفظاظة والقسوة والتجهم ¿ أم أنه أرسله ليكون رحمة للعالمين وأن يعامل الناس من المؤمنين بالحسنى وأن يعلمهم مبادئ الأخلاق ومبادئ التعايش السلمي .
لقد كان المجتمع العربي قبل الإسلام يعيش في جهل مطبق وتخلف مغرق ونزاعات قبلية دائمة وحروب مستعرة لأتفه الأسباب وكان تعاملهم فيما بينهم بالغلظة والفظاظة والوحشية وكانوا يرتكبون الجرائم المختلفة في حق الأقارب وانتهاك الحرمات وأكل أموال اليتامى وإحرام النساء من المواريث ووأد البنات وهن أحياء خوفا من العار لأنها أنثى , وكان الطغاة من قوم قريش هم القوة المسيطرة والمهيمنة على كل مفاصل الحياة في شبه الجزيرة العربية وكان كبار القوم هم أصحاب القول الفصل في أي قضية وهم الذين يسيطرون على كل شيء ويتحكمون في مصائر الناس وأرزاقهم من المستضعفين من الرجال والنساء . وكان المستضعفون في مكة وغيرها عبيدا وغلمانا لهم وليس لهم حقوق ولا يحق لهم أن يناقشوا أو يقولوا شيئا عن حياتهم أمام جبابرة قريش وما عليهم إلا السمع والطاعة وتنفيذ الأوامر , ويعملون لديهم مجانا وليس لهم إلا المأكل والمشرب . وكان المجتمع الجاهلي يتاجر بالعبيد من الرجال والنساء والأطفال ويسúبون النساء من خلال غاراتهم على القرى المجاورة لمكة ومن ثم يقومون ببيعهن والمتاجرة بهن في أسواق النخاسة .
هذا فضلا عن إيمانهم العميق الراسخ بعبادة الآلهة من الأصنام والأوثان وكفرهم بوجود إله واحد أحد فرد صمد هو الخالق وهو المبدىء والمعيد وهو على كل شيء قدير .
وكان كفار مكة لا يرقبون في شخص مستضعف إلا ولا ذمة , وحينما زاد الظلم عن حده والقهر والطغيان والمظالم وارتكاب المحرمات بين كفار قريش وبلغت أوجها أو ذروتها ضد المستضعفين والفقراء والمساكين بعث الله محمدا صلى الله عليه واله وسلم ليكون منقذا ورحمة ونصيرا لهؤلاء القوم الذين طالهم الذل والهوان وكذلك الإفراط في عبادة الأصنام من دون الله فبعثه الله ليكون بشيرا ونذيرا ومبلغا بما أوحى الله إليه .
وحينما أظهر دعوته ورسالته وبلغها لقومه كان ردهم على ذلك بالجحود والإنكار والاستكبار والاستهزاء وكانوا يقولون لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم , أي أنهم كانوا يؤمنون بالعظمة والاستعلاء وأن تكون لهم وحدهم الكبرياء في الأرض , أما محمد الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم فهو في نظرهم رجل ضعيف ويتيم وفقير ومستضعف وليس له رهط أقوياء يدافعون عنه . إلا أن الله لا يخلف وعده رسله فأيده بروح القدس وكان له ما أراد من وصول دعوته إلى العالمين ودخل الناس في دين الله أفواجا حيث نشر دعوته وبلغ رسالته بالحكمة والموعظة الحسنة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين .
ولذلك فقد جاءت رسالة ونبوة الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه واله وسلم خاتمة الأنبياء والرسل إلى يوم القيامة , وقد أحدثت دعوته إلى توحيد الله الإله الأوحد تغييرات جذرية بين قبائل العرب في الجزيرة العربية وقلبت أوضاعهم رأسا على عقب في أنماط حياتهم وفي تفكيرهم وفي طريقة معيشتهم وفي نظرتهم للحياة معناها ومبناها والغرض منها كما نبذوا من حياتهم حياة البذخ والإسراف وتعاطي الخمور والقتال والغزوات والنهب وتحريم ما حرم الله في كتابه , واحترام المرأة وحقوقها والاعتراف بوجودها وأهميتها في الحياة ومن ثم إشراكها في معارك الحياة وتقدير دورها الريادي والمساهمة في بناء المجتمع والأجيال كأم وأخت وزوجة وشاعرة وأديبة وواعظة وداعية إلى الله ومحاربة .
لأن الهدف من ابتعاث النبي الأعظم هو إخراج الناس من ظلمات الجهل والغشاوة والاستكبار والظلم إلى نور العلم والإيمان بإله واحد ونبذ العنف ضد المستضعفين والتعامل معهم بالحسنى كأخوة ولهم حقوقهم ومكتسباتهم (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) .
وهكذا وضع الرسول الأعظم اللبنات الأولى في بناء المجتمع الإسلامي القائم على العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات والتعامل مع الناس بالحسنى .
ولهذا فنحن نحتفل بذكرى مولده لما أرساه فينا من قيم ومبادئ وأخلاق وجعل منا أمة وسطا لا تطرف ولا غلو ولا إرهاب ولا إكراه في الدين .