عناصر القصة القصيرة جدا ورمزيتها
علي أحمد عبده قاسم

لا يخفى على أحد البدايات الأولى للقصة التي ظهرت بقصة زينب لهيكل ثم تتابعت في الاكتمال في الأطوار والمذاهب الأدبية المعروفة حتى أصبحت ناضجة متنوعة المشارب والمذاهب وظهرت في الفترة الأخيرة القصة القصيرة جدا والتي تعتبر امتدادا للقصة القصيرة وجنس أدبي جديد يفرض قوته على المشهد الأدبي السردي العربي بعد جدل النقاد ما بين مؤيد ومعارض حتى فرضت جنسها على المشهد الإبداعي سواء كان نقديا أو كتابيا وأصبحت جنسا قصصيا ممتعا له مميزاته الخاصة ومريديه.
ولأن هذا الجنس السردي المبهر له مزاياه المكثفة مما جعلها تحتل مكانا مميزا في المشهد السردي والنقدي خاصة وإن كثافة وتشعب ورحابة دلالاتها ومقاصدها التي تتميز بالقصر الذي يناسب العصر فقد عبرت موضوعاتها عن الهموم والقضايا الإنسانية المختلفة وأصبح لها جمهورها وكتابها البارعين في أقطار الوطن العربي وبأسلوبها القصير السريع المدهش ناسبت الزمن وتواكبت مع السرعة التقنية والانفجار المعرفي والمعلوماتي السريع بمفارقات وترميز مختزل مدهش.
وللقاص السعودي/ حسن علي البطران ثلاث مجموعات قصصية هي: “ماء البحر لا يخلو من الملح بعد منتصف الليل نزف من تحت الرمال”.
وسأبدأ بالنص القصصي “وقف أمام الطلبة في الاصطفاف الصباحي
ورفع يده اليسرى
وفي اليمنى كتاب…
الطلبة ينظرون وينتظرون
بعد صمت وعمق نفس
أنزل يده ووضع الكتاب أمامهم وغادر المكان” ص14.
من الملاحظ أن النص يتحدث عن المدرسة من خلال “الاصطفاف الصباحي” إشارة اليد اليسرى تدل على التوقف والانتباه ليأتي بنوع من الصراع والجذب في عبارة “الطلبة ينظرون وينتظرون” يأتي الحل بعد “صمت وعمق نفس أنزل يده ووضع الكتاب أمامهم وغادر المكان” لعل القصة ترمي إلى التوجه إلى العلم والتلازم والإقبال عليه في “وضع الكتاب أمامهم” ولكن تأتي جدلية أخرى “غادر المكان” وكأنه تركهم بغير مرشد ومعلم وهاد.
مما سبق يمكن أخذ إشارات أخرى تتمثل بـ: رفع اليد اليسرى إشارة للانتباه والالتفات والسكوت لكن الطلاب “ينظرون وينتظرون وبعد صمت وعمق نفس” إشارة إلى دلالة الرأي الواحد دون الاهتمام برأي الطلاب لذلك تم ترك الكتاب أمامهم وتمت المغادرة وكأن النص يرمي إلى مضمون ورسالة أن أقوالنا لا تطابق في كثير من الأحيان أفعالنا وللنص دلالات رمزية واسعة وكثيرة يمكن أن تتأول بآفاق متعددة وما يطرحه النص قد يعطي أطروحات مستقبلية كثيرة.
وإذا كانت القصة القصيرة جدا تطرح الكثير من الهموم الإنسانية فإن النص في أعمال الكاتب تجلت هذه الخاصية بتكثيف دلالي واسع..
“أحتاج مغامرة في وسط جبل أصم… توغل فيها..
طابت له السكنى
أعطى الكثير لتحريرها
أصر على البقاء
والاحتلال بحجة تعميرها…
اتفقوا على بقائه حتى يظهر تعميره لها” ص13.
من البنية اللغوية “اجتاح مغارة توغل أعطى الكثير لتحريرها والاحتلال لها” وبنية أخرى مقابلة “البقاء التعمير تعميره يظهر يدعي”.
فإذا كانت الكثافة دلالات وآفاق متشعبة ولا تستقر على حال فإن النص يوجز رسالة للمتلقي هي “غباء فهم الذريعة” بوصف إشارات ودلالات اللغة تعكس ذلك من خلال “مغارة وسط جبل أحم” “أصر على البقاء حتى يظهر تعميره لها “كما يدعي” لأن الجبل الأصم فيه إشارة لقسوة الطبيعة وتلاشي الخصوبة وكانت النتيجة “أعطى الكثير لتحريرها” علاوة على الإصرار على الرأي “أصر على البقاء” كان الاحتياج والتوغل والإصرار والاحتلال لا يمكن أن يثمر الخير والتعمير خاصة وإن اللغة في السرد تشير إلى الانفراد بالرأي لمطاردة الفهم فالاحتلال بحجة التعمير وكأن التعمير شعارا والنص يناقش الذريعة السياسية للاحتلال أو السياسة فكان اختيار “المغارة” فيه إشارات ودلالات التمترس والاحتماء ومن الدلالات البصرية في نهاية القصة “اتفقوا على بقائه حتى يظهر تعميره لها كما يدعي!” لعله يشير إلى عدم إدراك المغزى من اختيار المغارة بالاحتياج والتوغل وخسارة الكثير والاحتلال بحجة”.
فاللغة وعاء لإبراز رسائل عميقة للاحتلال العسكري والسياسي الذي يأتي بذريعة دون أن تدركه الشعوب لذلك كثافة الدلالات في القصة رحبة جدا قد لا يتمكن القارئ من الوصول للمسكوت عنه بسهولة خاصة وإن الرمز وكثافة أبعاد وفضاءات دلالية يتخفى النص وراءه ليكشف حقيقة ما أو يلمح لخطر أو يخاطب الأفهام والمتلقي كرسالة إنسانية يتوجب عليه قولها فالاحتياج فيه ترميز وتكثيف لغوي للاحتلال والجند والعسكر ومثله التوغل فيه ترميز حربي وعسكري وأطماع سياسية.
“حجة: فيها كثافة وترميز للذريعة السياسية والشعار الخادع.
أعطى الكثير: فيها كثافة دلالية للغائية والأهداف المبيتة.
ا