أهل الثقة أم أهل الخبرة ¿
أحمد عبدربه علوي
يرتهن حاضر ومستقبل الأمم بفاعلية ومقدرة القيادات التي تتولى إدارة شؤونها ذلك أن تلك القيادات هي الأدوات الرئيسية لتشغيل نظام الدولة على النحو الذي يحقق التوظيف الأمثل للموارد المتاحة والإنجاز الكفء للأهداف الطموحة وليست مبالفة, إذا ما قلنا أن مستقبل بلادنا سيتحدد تبعا لمدى نجاحنا في تصعيد الكفاءات لمراكز المسؤولية والمواقع الأمامية.. فأي محلل منصف يدرك تمام الإدراك مدى حاجتنا لتوجيه المزيد من الاهتمام والدعاية لفرز مختلف العناصر التي لديها قدرات وملكات خاصة وتبنيها لإتمام تأهيلها ثم تصعيدها إلى المواقع التي تنتظر بشغف هذه القيادات وفي هذه الحالة نرى أن تشكيل لجنة متخصصة بوضع أكثر من دراسة بالبحث والتدقيق والفحص نظام اختيار وتعيين القيادات لشغل الوظائف والمناصب العليا ,على أن يتم استعراض الدراسة نظم اختيار وتنمية القيادات في عدد من دول العالم المتقدمة كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأميركا وبعض من الدول العربية ذات الخبرة والتجربة في مجال الإدارة العامة وكذا الوظيفة العامة للدولة وأن يكون الجانب الأكبر من أي دراسة أن يخصص لشرح الاقتراحات المحددة للتطبيق في بلادنا ومن شأنه إفراز أفضل العناصر بالمجتمع لشغل وتولي المناصب القيادية بها كما يتطلب أن ترصد الدراسة الأسباب الكامنة وراء مشكلة توفير القيادات الفعالة لإدارة التنمية بالبلاد وحصدتها في عدد من النقاط على رأسها:
• كثيرا ما تصدر قرارات التعيين في المناصب العليا دون وجود ضوابط أو مؤهلات محددة تضمن توافر التأهيل المناسب للوظيفة.
• تعاظم السلطة “الفعلية” التي يمارسها رئيس الجهة في اختيار كبار القيادات بالجهة دون وجود ضوابط محددة تضمن الموضوعية وهي سلطة قد يساء استخدامها لغير الصالح العام كما قد يكون لها أثر سلبي على سلوك العاملين المحتمل ترشيحهم إلى مناصب أعلى.
• عدم وجود مصدر محايد كبنك للمعلومات أو مركز أو مؤسسة للمعلومات مثلا عن القيادات الواعدة التي يمكن الاستعانة بها عند الحاجة مما يجعل مهمة اتخاذ القرار صعبة للغاية.. بل قد يلجئه ذلك إلى الميل لترشيح من يعرفه باعتبار هذا هو المصدر الذي يثق فيه.
ث- وفي غياب التحديد الدقيق لاشتراطات شغل الوظائف العليا أصبح المجال مفتوحا بشكل ضار لتعيين من لا يتوافر فيه الحد الأدنى من متطلبات الأداء الكفؤ للوظيفة.. وتزداد المشكلة بالنسبة للقيادات العليا التي ينظر إليها باعتبارها فوق التقييم.
• وتتسم عملية التعديل الوزاري بثلاث سمات أساسية هي السرية والعجلة والثقة الشخصية.. وهي سمات قد لا تكون هي كل السمات المطلوبة لضمان سلامة التشكيل .. وينعكس ذلك بشكل مباشر في سلوك الوزير في اختيار كبار معاونيه ويترتب على ذلك آثار سلبية مختلفة في مقدمتها احتمال تغييب عامل الثقة على عامل الكفاءة في شاغل الوظيفة العليا ليس من المصلحة ضياع جهدها وعطائها ثم تزايد فرص السلوك الوظيفي غير المنضبط ابتغاء مرضاة الوزير أو اتقاء عدم رضاه.. ولا يخفى أن لدينا في بلادنا عددا من الجهات المنوط بها إعداد وتنمية القيادات ولكن في ظل وجودها لم تحقق الهدف المأمول في الحصول على أفضل العناصر لشغل المناصب الخالية مما يتطلب إعادة النظر في هذه الجهات وتقييم أدائها..
تتفق نظم الاختيار على اختلاف الدول المطبقة لها في وجود هيئة أو وزارة تختص بجميع شؤون الخدمة المدنية .. وإن اختلفت مسمياتها وتنحصر مهمة هذه الهيئة أو الوزارة في اكتشاف وتبني كل من يتمتع بقدرات متميزة وعالية في كافة المجالات وإلحاقهم بمؤسسات لتنمية قدراتهم لمعالجة الموقف الناشئ من عدم كفاية المواد التي تحتوي عليها برامج التعليم الجامعي وهو ما يطلق عليه “التدريب السابق على التعيين” ,ثم هناك “تدريب آخر لاحق” ويقدم نوعا من التدريب التخصصي والمتطور بمعنى أن عملية تأهيل القيادات مستمرة ولا تنتهي بتعينهم في مواقعهم فقد للقضاء على مشكلة “عدم كفاية القيادات في مختلف المواقع” باعتبارها “أم المشاكل” في بلادنا.. وحتى يمكننا حل هذه المشاكل نقترح أن تكون هناك دراسة من أجل تحديد جهة معينة وبمواصفات محددة للقيام بهذه المهمة الوطنية على أن يتوافر في هذه الجهة الاستقلال عن مكونات الجهاز الإداري للدولة بحيث لا تخضع للتأثير من أية جهة..
وأن تتصف بالحياد الكامل بمعنى ألا يكون لتلك الجهة مصلحة في قطاع بعينه أو في نوعية من الأفراد .. وأن تتميز هذه الجهة أيضا بالاستقلال عن المؤثرات الحزبية أو السياسية .. أما المهمة الرئيسية لهذه الجهة فستكون البحث عن القيادات المرتقبة واستقطابها واختبار وتقييم هذه القيادات ثم إعدادها واختيارها..