فيلسوف العبث

عمل جان جاك بروشييه مؤلف هذا الكتاب لسنوات رئيسا لتحرير «المجلة الادبية ـ ما جازين ليتيرير». واشتهر عنه نقده اللاذع خاصة حيال اولئك الذين نالوا شهرة كبيرة من أمثال جان بول سارتر والبير كامو وغي دو موباسان وغيرهم. اصدر عددا من الكتب ذات الطابع النقدي مثل «من اجل سارتر» و«موبا سان» و«يعيش الصيد»… الخ. هذا الكتاب «البيركامو فيلسوف الأقسام النهائية» ليس عملا مدرسيا كما يمكن ان يوحي عنوانه. لكنه كتاب نقدي لفلسفة البير كامو «فيلسوف العبث» كما اشتهر عنه كما عرضها في كتابه الشهير «الإنسان المتمرد». هذه الفلسفة لا يرى مؤلف هذا الكتاب انها ترقى إلى أكثر من «مستوى كلية الأقسام النهائية». يقول بروشييه في معرض المقارنة بين «كامو» و«نيتشه» الفيلسوف الألماني: «ان الفرق بين كامو ونيتشه هو اولا كون ان نيتشه كان يعرف كيف يفكر وتجرأ ان يصل بتفكيره إلى نهاياته القصوى»…. كان مؤلف هذا الكتاب قد ناقش هذا الموضوع قبل ثلاثين سنة ورأى انه لا يزال يمتلك كل طراوته وراهنيته لا سيما وان الاوضاع الفكرية والسياسية والأخلاقية «لم تتبدل بشكل حقيقي» رغم كل مظاهر الحداثة والتجديد ولا تزال الرهانات نفسها قائمة ولكن يتم التعبير عنها بشكل مختلف» وايضا وربما هذه هي النقطة الاكثر أهمية لا تزال «حرب الجزائر» ماثلة في الأذهان على الرغم من انه كان لابد من الانتظار خمسة وثلاثين سنة كي تقبل الحكومة الفرنسية بشكل رسمي تعبير «حرب» عن الثورة الجزائرية «ثورة المليون شهيد» كما شاعت التسمية. كان القاموس الفرنسي الرسمي يستخدم دائما تعابير مثل «الأحداث» و«عمليات الشرطة» و«المحافظة على الأمن».. الخ. ان مؤلف هذا الكتاب لا يولي الحرب الجزائرية الكثير من صفحات كتابه. لكنه يناقشها تحديدا من خلال موقف المثقفين الفرنسيين وعلى رأسهم البيركامو منها في فصل يحمل عنوان «البير كامو والسياسة». واذا كان «بروشييه» يؤكد على الموقف المتفرد الذي اتخذه الفيلسوف جان بول سارتر في معارضته للحرب الاستعمارية الفرنسية في الجزائر فإنه يرى بان «كامو» قد اتخذ موقفين متمايزين بل ومتناقضين من الوجود الاستعماري الفرنسي في الجزائر ثم من ثورة الجزائريين للمطالبة باستقلال بلادهم. يقول: «لاشك بان البيركامو قد اتخذ قبل اندلاع الثورة في الجزائر موقفا شجاعا اذ شجب في العديد من مقالاته الصحفية استغلال العرب من قبل المستعمرين الفرنسيين المقيمين «وساهم بكتاباته في صحيفة «الجزائر الجمهورية» التي تم منعها بل وتم طرده من الجزائر بسبب الحملات الإعلامية التي شارك فيها. الموقف الآخر الذي اتخذه «البير كامو» فقد ظهرت ملامحه بعد اندلاع ثورة التحرير الجزائرية وكان «كامو» قد قدم نفسه بانه «ممثل للأخلاق» القائمة على مبدأ العدل وكمناضل من اجل القضايا العادلة ـ كان «كامو» يردد كثيرا بانه مع «القضايا الخاسرة» كي يؤكد موقفه إلى جانب الحرية ـ ومؤيد لثورات التحرير في العالم. لكن «أمطار الجزائر أذابت الأحجار الهشة» يقول مؤلف هذا الكتاب ثم يعود إلى مواقف سابقة كان البيركامو قد اتخذها. في عام 1945 شهدت مدينتا صطيف» و«قسنطينة» انتفاضة شعبية اودت بحياة ثلاثمائة اوروبي لكن ادى اسبوع من القمع الدامي بعدها إلى وقوع خمسة وأربعين الف قتيل بين الجزائريين. يومها كتب البير كامو ما يلي: «لقد اثارت مذابح الغلما «قرب صطيف» وقسنطينة إحساسا عميقا بالضغينة والغضب لدى فرنسيي الجزائر. اما القمع الذي تلا تلك المذابح فقد ولد لدى الجماهير العربية ـ الجزائرية ـ أحساسا بالخوف والعداء». ان مؤلف هذا الكتاب يرى بان إخفاء البير كامو عمدا لعدد الضحايا وحديثه عن «الضغينة والغضب العميقين» لدى الفرنسيين انما يبدو مبالغا بتشدده «مقابل الحديث» البالغ ايضا بضعفه» عن مجرد «الاحساس بالخوف والعداء» لدى العرب «الجزائريين». تجدر الإشارة هنا إلى ان أكثرية الادبيات الفرنسية التي تحدثت عن حرب التحرير الجزائرية استخدمت تعبير«العرب» للدلالة على جميع الجزائريين. عربا وبربرا ـ دون اي تمييز. التمييز جاء بعد حصول الجزائر على استقلالها ولأسباب واضحة لها علاقة مباشرة بالإرث الاستعماري. ويرى المؤلف ايضا في موقف البير كامو من خلال الحركة التي اطلقها «وحددت هدفها في الطلب إلى «جبهة التحرير الجزائرية» والى «السلطات العسكرية الفرنسية» العمل على عدم إراقة دماء المدنيين. وعلى هذا يعلق مؤلف الكتاب بالقول: «كأنه كان هناك فرق بين المدنيين والمقاتلين في حرب مثل تلك الحرب التي كان تشهدها الجزائر». ويذكر المؤلف هنا بان جيش الاحتلال الفرنسي في الجزائر لم يعترف ابدا بمقاتلي جبهة التحرير الجزائرية بالوضع القانوني لـ «سجناء الحرب» اذ «لم تكن هناك رسميا اية حرب في الجزائر». لكن «البير كامو» ذهب ابعد من هذا بكثير في كتابات له شجب فيها «المؤامرة التي تتعرض لها فرنسا» عبر الحرب الجزائرية والتي رأى وراءها اصابع الروس. ينقل المؤلف

قد يعجبك ايضا