هكذا يصبح الاغتيال ظاهرة مناخية
فتحي الشرماني
اغتيال الشخصيات الوطنية المدنية والعسكرية ظاهرة مفزعة لا تزال تطحن هذا الوطن وتعصف بأمنه واستقراره, والهدف واضح للجميع .. شل قدرة هذا الوطن على تجاوز الحالة غير الطبيعية لصناعة النهوض ورؤية المستقبل, ولذلك فقوى الشر لا تستهدف من السياسيين إلا من ترى فيه شخصية جامعة, وفكرا مدنيا وخطابا مؤثرا قادرا على توحيد الكلمة وجمع الصف وإعلاء شأن قيم السلام والمحبة والتنافس السياسي الشريف ورزانة الموقف ونضج الرؤية.
فبالأمس اغتالوا الدكتور عبدالكريم جدبان والدكتور أحمد شرف الدين واليوم يغتالون الدكتور محمد عبدالملك المتوكل, ويتبعون ذلك باغتيال الأستاذ صادق منصور القيادي بحزب الإصلاح في تعز, ويعلم الله من الذين لا يزالون في القائمة ينتظرون موتا بدم بارد من قاتل لم تروه كل الدماء التي سالت.
من الكوميديا السوداء أن يحذر اليمنيون بعضهم من (موجة اغتيالات) قد تشهدها البلاد في هذه الآونة .. هكذا ينطلق التحذير من قبل المحللين والخبراء والناشطين الحقوقيين, وهم ليسوا مخطئين في ذلك, ولكن تأملوا كيف أصبحنا جميعا نشعر بأننا مع انتشار ظاهرة الاغتيالات نبدو كأننا أمام ظاهرة مناخية أو كارثة من كوارث الطبيعة التي لا قبل لبني البشر بمواجهتها والنجاة منها, مثل كارثةالمد البحري (تسونامي) أو إعصار كاترينا أو غيرهما من الفيضانات وثورات البراكين والزلازل وتساقط الشهب.
هكذا تتحول مشكلة العنف والاغتيالات إلى نازلة طبيعية تصيب من تشاء وينجو من طوفانها من يكتب له النجاة, والسبب أننا أصبحنا مكشوفين أمام قوى الشر, ولم نبن جهازا أمنيا يحمي الجميع وينجح في تأمين حالة الاختلاف السياسي الذي يوجد عند غيرنا .. أدخلنا في الصراع كل شيء, وتصارعنا على كل شيء, ولايزال لدينا الاستعداد للتصارع على مجرد تعيين عاقل حارة, من يكون¿ ومن أي جهة¿ ولمن ولاؤه¿
ميزانيتنا تنفق على الدفاع والأمن ما لا نستطيع أن نحكم عليه بأنه قليل, ولكن إذا كانت مواردنا وأموالنا لا تستطيع حماية وطننا مما يهدده من أخطار لا تستثني طرفا من الأطراف, فهذا يعني أننا نموت ببطء.
لابد أن تطهروا مدننا من السلاح, وفوضى السلاح .. الأمن يخدم الجميع, ويبحث عنه الجميع, ونحن الآن ننتظر من مؤسستنا الأمنية والعسكرية أن تشمر عن سواعدها وتصنع من التحول والانتقال ما تفاجئ به الجميع .. وليكن الهدف هكذا: ضرورة تثبيت الأمن والاستقرار في كل ربوع اليمن الحبيب, وذلك بمنع حمل السلاح في عواصم المحافظات وصناعة أحزمة أمنية مستنفرة على الدوام, والضرب بيد من حديد على كل من يتسبب في الانفلات الأمني, وعدم التهاون مع كل ما يغرق الوطن في الفوضى أو يمارس التخريب أو النهب للمصالح العامة .. هذه هي الخطوة الأولى لتطبيع الأوضاع وإفشال كل المؤامرات التي تحاك ضد الوطن .. ولا تنسوا أن أي جهود تنموية أو حلول سياسية أو برامج للنهوض والتطوير لابد أن تبدأ بإنهاض النشاط الأمني وإلا فإنها ستواجه بالفشل, لاسيما حين نقنع أنفسنا بأن بعض المشكلات الأمنية معقدة وفوق الطاقة, وهي في حقيقة الأمر ليست كذلك.
حمى الله اليمن وشعبها من كل مكروه.
Fathi9595@gmail.com