الصمت لغة الكلام..

عبد الرحمن بجاش

 - خلسة أتملص من أصحابي واذهب أليها حين لا يتواجد بين جوانحها احد , لا افعل شيئا سوى ممارستي لأنبل فضيلة في هذا الكون (( الصمت )) , فقط أتلمس الأشياء حول عنقها , أتحسس معالم
خلسة أتملص من أصحابي واذهب أليها حين لا يتواجد بين جوانحها احد , لا افعل شيئا سوى ممارستي لأنبل فضيلة في هذا الكون (( الصمت )) , فقط أتلمس الأشياء حول عنقها , أتحسس معالم الحزن النبيل ترتسم على وجهها , المس الندوب , وسواقي الدموع , وأتخيل زفراتها على من ذهبوا ولم يعودوا …قالت : عثمان سعد آخرهم راح الصومال ما ((رöجöعش)) , وعلى أزمان ارتسمت على الجدران , وبين الأهداب علق ما تبقى من (( حöنا )) الأعياد , و((عرúقوص)) الصباحات دخن وذره , وزراعي نبت تحت العين اليمنى يحكي حكاية الاخضرار , أضع يدي اليسرى على أول حجر في دارنا , واذهب بأصابعي أتحدث معها بلغة لا يفهمها سواي ومن يدرون أن الأحجار تتحدث فقط لمن يفهم لغتها , والشقوق في تلك الجدران أفواه ترسل الآهات على من اتحدت معهم ذات ليال معتقة توحد فيها روح الإنسان بلون الحجر .
هو الصمت لغة وحيده تتحدث بها مع من تحب وتعشق , وهو الحب والعشق لا يكون ألا بين من تتوحد عيناه باللون , بنغم الطرقات القديمة , حيث مرت الأرجل تباعا آيبة .. ذاهبة , وانأ أظل احدث حجارة قريتي , اسألها عن حالها , عن حالي وتعاقب السنين , وذكريات هناك تركناها عند المطاحن القديمة , وفي الغرف المظلمة التي كنا نهتدي إليها حين نتحسسها فقط , التقطت بعدستي درج بيت العم قاسم وحين عدت أتفرج عليها ظهرت آثار أقدامنا , وأصوات العمة جليلة تلك المرأة التي حملت بين جوانحها طيبة أهل الأرض , تظهر عليها تمنحك قطعة حلاوة من حق عدن , حلي من حق الشيخ , قارورة ((ستيم)) من حق المعلا اسمع جدتي تقول للمكالف: (( آذى ستيم حق المشايخ بس محد يشربه غيرهم )) , قليلا من حلاوة ناصر , من جيبها قليل ((جلجل )) , لا يمكن لك أن تبرح دارتها غير محمل بالخير , والخير دوما ما ذكرت , دلفت بقدمي إلى ما بين الدارين , الباب الخشب الذي انطبعت تفاصيل أيادينا عليه لا تزال أثارها بادية , وحتى أصواتنا بفضل الصمت تسمعها تتردد : ((يا عمه شنين أين جعالة العم هزاع حق مöجراد عدن ¿¿)) , وبالصمت وحده يتهادى صوتها حنونا : اطلعوا , ونطلع إلى الخلوة , هناك تمنحنا ما تستطيع من ((شöكلöت)) المصلى حيث لا يزال بابور ابن نعمان راجح يتحمى استعدادا للنزول إلى خبت الرجاع , صبحك الله بالخير ياعم امين مغلس , إذ لا تزال آثار أقدامك هناك , وانفاسك تهدي الحائرين والضائعين من لم يعرفوا المصلى ولا معنى المفاليس, وكود النمر, وطرقات نزلت منها حمير أهلنا وصعدت , حيث لا يزال نقيلا بسيطا يعرض كل يوم حكايته يبحث عمن يريد أن يسمع سيرة من صنعوا حياة بالجهد والعرق وعذابات نحكيها الطرقات (( يا وليد عمك أمين وصل من البلاد )) ترى الدموع في أعين الرجال شوقا إلى قراهم لكنها لقمة العيش يا صاحبي , وذكريات لايزال ((وöطاف)) حمار العم قاسم وحلاوة قاسم مهيوب حكاية لا تزال الدارة القديمة ترددها , العم قاسم مهيوب كان لا ينام الا ورفيقته في كيس نومه ((حلاوة القدسي)) !! , في ((النكب)) وراء دار محمد نعمان حيث سقط أغلبه رحت أجلس وحدي بعد الغروب لم يتواجد بجانبي سواي ورفيقي الصمت والليل صديقي , وهدوء تكون النفس بحاجة إليه , أظل اسمع وأسمع , حكاية الريح , سيرة ((زراعي)) يحدث جارته السبولة حكاية كل عام , ونطف لتوها واصلة من سماء رب العالمين , تكون عيناك قادرة على سماع أصوات الأمهات (( وواليد …ما رأيúتنúشú محمود أين سرح )) , اسمعها جيدا في ظل السكون , تهتف أعماقي : (( سرح مع العيال يعوموا عند العجمة ))هناك عند باب وادي (( الكنين )) المسافر دوما إلى البحر , ترد بصوتها العفوي الحنون (( شöقúصöفú عمره قلتو له يسير يرعي الكبش سيبهú وسار يعوم …أني شوري أبوه )) , اضحك أنا لما سيلاقيه محمود لأنه تركني وذهب …هاهي أمه تجمع العصيان عصى واحده وانأ أصيخ السمع لما سيكون …………….أحسست بيد تربت على كتفي : مو تعمل آونا وحدك ونحنا ندورك ¿¿ , كلمه صدرت مني لم تكتمل جمله : كنت أحاكي …………, أحسست بحريق روحي إذ كنت أود أن استمع إلى بقية الحكاية , ففي صدر قريتي الكثير مما أرادت أن تبوح به إلى ………………..

قد يعجبك ايضا