الحضارة الإنسانية والكوارث


جمع الباحث العلمي البريطاني في دراسته بين علوم الحياة ـ البيولوجيا والرياضيات والفيزياء.
وجعل في مقدمة اهتماماته البحث في مجال «علوم الحياة الفلكية» بمعنى أشكال الحياة التي يمكن أن تكون موجودة على الكواكب الأخرى غير كوكبنا الأرضي.
وهو يكرس كتابه الذي يحمل عنوان: «المعرفة» الذي يبحث فيه كيف نعيد بناء عالمنا من الصفر كما يقول عنوانه الفرعي لمسألة كيفية النهوض بالحضارة الإنسانية في حالة وقوع كارثة كبرى.
وعن «المعرفة» التي اختارها عنوانا لكتابه يكتب أنها: «فهم الطريقة التي بني فيها عالمنا وفهم المبادئ والمسارات التي أسöست عليها حياتنا اليومية وليس في نيتي بالتأكيد دفع الآخرين إلى الإحساس بالذنب لأنهم لا يعرفون قدرا كبيرا من العلم لكنني أعتقد أنني أعطي للأشياء قيمة أكبر عندما أتعرف إلى الكيفية التي تعمل على أساسها وأريد أن أتقاسم مع الآخرين سحر ذلك».
تجديد تكنولوجي
ويطرح المؤلف في البداية عددا من الأسئلة مثل: ماذا سيجري إذا انتهى فجأة هذا العالم كما نعرفه فجأة¿ وماذا لو غدت عشرات الأفلام التي قدمتها السينما عن نهاية العالم حقيقة ماثلة أمامنا وليس مجرد تهويمات على شاشة¿ وماذا لو اجتاح هذا العالم وباء قاتل¿ وبناء على ذلك من فرضيات «عبثية» في السياق الحالي ما المعارف التي سنحتاج إليها من أجل بناء الحضارة من جديد¿
ويشرح المؤلف أن الحضارة الإنسانية و«ما تحتوي عليه من روائع» تقوم على كم كبير من أشكال التجديد التكنولوجي في سياق محدد واعتمادا على اختراعات كبرى منذ الثورة الصناعية الكبرى ووصولا إلى الثورة الرقمية.
لكن لا شيء يسمح بالقول كما يرى أن زوال هذا كله مستحيلا. ولا شيء يولد اليقين أننا نملك اليوم من المعارف الضرورية لاستخدام المواد الأولية المتاحة لـ«إعادة بناء العالم من الصفر».
ويشرح المؤلف أن من سيكون عليهم «إعادة البناء» سيواجهون مشكلات غير تلك التي واجهها أجدادهم. على سبيل المثال ستكون ثروات الطاقة الجوفية المعروفة منها على الأقل على وشك النضوب كما تؤكد المعلومات المتوافرة حاليا. ومن ثم ستكون «حضارة ما بعد الكارثة الكبرى التي قد تحل بالأرض هي حضارة خضراء ـ غير صناعية ـ بمحض عامل الضرورة».
ويشير المؤلف إلى سلسلة طويلة من الأشياء والمواد التي تحيط بنا والتي يمكن الانطلاق منها في عملية إعادة بناء العالم ولكننا لا ندرك في الواقع جوهرها واستخداماتها إلا تلك البادية للعيان. هكذا يتحدث مثلا عن مادة الخشب التي نعرف جميعا أنها مادة أساسية في البناء. لكن دارنتيل يشرح استخدامات أخرى يمكن أن تكون ذات فائدة جوهرية إذا تعرض العالم القائم كما نعرفه لكوارث كبرى مدمرة.
إقلاع حضاري
ما يؤكده المؤلف في تحليلاته هو أن الإقلاع الحضاري من جديد سوف يكون أكثر صعوبة وأكثر تعقيدا مما قد يبدو للوهلة الأولى ذلك أنه حتى أولئك الذين يمتلكون معارف علمية في مجالات اختصاصهم فإنهم لن يكونوا قادرين على إنتاج مواد أساسية بسيطة ضرورية للحياة اليومية.
ويمثل هذا الكتاب في أحد جوانبه نوعا من الدليل «العملي» لتصنيع مواد ذات ضرورة ملحة كـ«الصابون» مثلا. فكم من البشر يعرفون كيفية صنعه ولو كانوا قد يعرفون المواد الأولية التي تحتاج إليها صناعته¿ يسأل المؤلف مؤكدا أهمية ذلك في فترة إعادة تعمير حضاري «تفتقر إلى الكهرباء وبالطبع إلى شبكات الإنترنت».
وعلى صعيد المعارف الضرورية ندرك أن مادة «الأسمنت» التي قليلا ما تثار التساؤلات حولها مهمة إذ يشير المؤلف إلى أن اختراع ما يعرف بـ«الأسمنت المائي الهيدروليكي» الذي يستطيع المقاومة داخل البحار سمح باختراع الغواصات التي تجوب أعماق البحار كما أن «الأسمنت المائي» جعل الرومان قادرين على السيطرة على البحر الأبيض المتوسط.
لقد كانوا قادرين على صناعة تلال من «الأسمنت» هذا الأسمنت المصنوع من تربة كلسية معينة يشكل العصب الرئيس الذي ما كان للحضارة الراهنة أن تقوم بدونه.
أحد الجوانب الأساسية في هذا الكتاب هو أنه زاخر بالمعلومات التي تفاجئ القارئ وتثير دهشته. لكنها معلومات ذات فوائد كبرى وأساسية للتصرف في فترة ما بعد وقوع حوادث كبرى قد تتجاوز بأضعاف ما عرفته البشرية في تاريخها كله حتى الوقت الراهن.
عناصر واهتمامات
و«المعرفة» التي عناها مؤلف هذا الكتاب في عنوانه ليست إذا تلك التي تبحث في أصول العلم ونظريات الفلسفة والأخلاق لكن بالأحرى هي المعرفة التي تلم بالعناصر الأساسية والتي لا بد منها من أجل توفير ما يؤمن قدرة النهوض من جديد «من الصفر» لترميم منظومة القدرة على الاستمرار.
ويقدم المؤلف توصيفا لمسار العلوم والتكنولوجيات وما توصلت إليه من الحلول للمشكلات المطروحة على العالم.
 لكنه يركز بشكل خاص على تلك المشكلات التي لا

قد يعجبك ايضا