الموت الرابض تحت الأرض يحاصر سكان (مدينة الألغام)

تحقيق / عبد الناصر الهلالي


نازحون يخشون العودة إلى فخاخ التهلكة

محافظة أبين – الأطراف الصناعية المجانية التي صرفها مركز الأطراف والعلاج الطبيعي بصنعاء التابع لوزارة الصحة للفتى حمدي علي عبده لم تعنه على مواصلة حياته بصورة شبه طبيعية بعد أن بترت يداه في انفجار لغم في منطقة الكود أثناء رعيه الأغنام في 5أغسطس 2012 فهذه الأطراف كانت أكبر من مقاس يديه التي فقدها.
والد حمدي يلوم الحكومة على تعطل حياة ابنه البالغ من العمر 14 عاما ويردف والألم يعتصر قلبه: «للآن الشظايا لا تزال بجسم حمدي وقد أنفقت الكثير من المال وأنا رجل معدم لا أمتلك من النقود ما يكفي لعلاجه».
مصيبة حمدي مصيبتان. شعوره بالعجز وبالغدر لأنه أصيب في منطقة يفترض أنه تم تطهيرها كليا من الألغام في نهاية يوليو 2012 حسبما أعلن محافظ أبين جمال العاقل ومدير فرع المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في عدن قائد هيثم في مؤتمر صحافي في 18 يوليو/ تموز 2012 بمشاركة وجهاء وممثلي هيئات أممية تدعم مركز نزع الألغام وجمعيات إغاثة النازحين.
ترافق ذلك الإعلان مع تعهد المركز التنفيذي التابع للجنة الوطنية للتعامل مع الألغام بأن أبين باتت «آمنة» بخلاف الحقيقة التي بانت لاحقا عندما عادت أسرة حمدي حال 105.000 نازح من أصل 200 ألف نازح كانوا هربوا من منازلهم عقب دخول تنظيم القاعدة عام 2011 الذي زرع ألغاما ومفخخات يدوية الصنع ذات تأثير قاتل على نسق ميليشيات مشابهة في العراق وأفغانستان لتعطيل تقدم القوات المسلحة.
أعلن في المؤتمر أيضا عن تطهير مناطق زنجبار والكود وجعار التابعات لمديريتي زنجبار وخنفر بابين في المحافظة بعد أن استعاد الجيش المنطقة من القاعدة فيما أكد هيثم «إمكانية عودة النازحين إلى هذه المناطق».
رئيس الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين أحمد الكحلاني يؤكد لمعد التحقيق  أن المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام أبلغهم بالمناطق التي طهرت من الألغام بأبين في منتصف يوليو/ تموز. ويقول: «على ضوء هذه التطمينات من مركز الألغام وجهنا رسالة إلى محافظ أبين متضمنة إمكانية عودة النازحين إلى المناطق التي أبلغنا مركز الألغام أنها طهرت».
ووفقا لإحصائيات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة فإن مخيمات عدن – التي نزح إليها غالبية سكان أبين- ما تزال تؤوي 32 ألف من 200 ألف مهجر بسبب الألغام. غالبيتهم يتجمعون في مدارس حكومية من أصل 200 ألف نازح تم استضافتهم في مدارس عدن.

ورغم إخفاق الجهات المكلفة بإزالة الإلغام في تنفيذ مهامها ضمن المدد الزمنية المحددة بحسب مراقبون فإن السلطات المحلية تسرع بالإعلان عن تطهير مناطق فر منها النازحون لأسباب «سياسية ولوجستية عسكرية على حساب سلامتهم الشخصية». من بين الأسباب محاولة تخفيف الضغط عن المجتمعات التي نزحوا إليها وإعادة نشر الجيش في مناطق أخرى لدحر التنظيم الإرهابي.
فالعائدون إلى أبين كانوا قد احتلوا 100 مدرسة في محافظتي عدن ولحج وشكلوا تحد للسلطات المحلية بحسب دبلوماسيين وعاملي إغاثة.
بين 2012 و 2014 سقط 100 قتيل في محافظة أبين وحدها وفق رئيس منظمة أبن رشد لحقوق الانسان جمال حسين رغم التطمينات الرسمية ما يكشف أيضا سوء استخدام مخصصات المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام وتعثر برامجه رغم توافر الموارد المخصصة لهذه الحملة حسبما يوثق هذا التحقيق بعد عام من التقصي. كما أصيب 188 شخصا بألغام أبين – نصفهم من الأطفال.
وهكذا تعثرت أهداف المركز في مساراتها الثلاثة الأسمى: نزع الأجسام المتفجرة إعادة تأهيل المصابين وتعويض أهالي الضحايا.
إذ أن المساعدات الطبية الموعودة غطت فقط نصف الناجين من الألغام المقدر عددهم ب 457 شخصا (نصفهم من الأطفال تقريبا) في إطار مشروع التأهيل والإدماج عام 2013 بحسب بيانات جمعها معد التحقيق.
يفاقم الوضع «استنفاذ كفاءة» 500 آلية نزع ألغام تعود إلى عامي 2000 و 2008 دون تخصيص موارد لاستبدالها بحسب مصدر في مركز الألغام. يضاف إلى ذلك عجز في الموازنة بسبب ارتفاع النفقات الإدارية بما فيها رواتب (500 موظف ميداني) ثلثهم في محافظة أبين.
وهكذا تظل المشكلة مستوطنة رغم تكرار وعود المسؤولين بتطهير المحافظة.
منصور العزي المدير التنفيذي السابق لمركز الألغام وعد بتطهيرها مع نهاية 2012 حال خلفه علي القادري الذي بشر كذلك في مؤتمر صحافي بخلوها من الألغام مع نهاية 2013.
ما حصل في أبين يتسق مع مناطق نزاع مشابهة مثل أفغانستان إذ التقت مصالح الجيش والحكومة على تسريع عودة النازحين «للأراضي المحررة على حساب سلامتهم الشخصية» بحسب دبلوماسي غربي.
لكن مدير مركز الألغام بعدن قائد هيثم يقول في مقابلة أجراها معد التحقيق: «بعد ا

قد يعجبك ايضا