واقع باعتبار التسمية فقط!!
جميل مفرح
تداخلت الأمور وتشابكت الحسابات واستحكمت الضبابية في المشهد العام حتى غدت دون أطر تحدها أو معالم تبين على الأقل إمكانيات التحكم فيها وإدارتها .. البلاد برمتها تهوي من علو شاهق بعد أن كانت قد خرجت من أطر الجاذبية وتدابيرها وأحوالها .. ولكن وبالرغم من تخلصها من الانفلات الوجودي الذي كانت تسبح فيه وبالرغم من دخولها إطار الجاذبية إلا أنها واجهت مشكلة أخرى ليست أقل خطورة مما كانت عليه لأنها الآن تهوي بشكل متسارع لا تعلم أين وكيف ومتى سيكون سقوطها أما الأضرار فحتما ستقع أضرار وأضرار فادحة إذا لم يتم تلافي الأمر وتلقف هذا التهاوي لئلا يقع سقوط مؤذ يضر بالبلاد والشعب.
الارتباك يجتاح الواقع وتبدو ملامحه وآثاره مرتسمة على سحنات وهيئات البشر .. والقلق يمدد مستعمراته كما يفعل دائما في المشاعر والأحاسيس ويفرض وجوده وسيطرته على حال الناس رغما عنهم .. والخوف ما يزال شبحه يفغر فاه وكأنه يريد التهام كل ما حوله حتى من مشاعر وأحاسيس .. والتوجس وترقب السيئ والأسوأ بات غالبا وباعه الأطول لم يعد يأبه للنظريات والنسبيات واستطلاعات الرأي واستبيانات الحال .. كل شيء غدا مخيفا مطلقا مربكا والصورة العامة لمشهد الحياة فقدت ألوانها أو بالأصح تمازجت ألوانها فيما بينها البين حتى غدت في مجملها لونا واحدا غريبا لا هوية له على الإطلاق.
كل ذلك يحدث ويتشكل والبشر في هذا الحيز الجغرافي يبدون وكأنهم راضون بكونهم مادة وميدانا لكل تلك المشاعر والأحاسيس وحطبا وربما دخانا خانقا لمظاهر الحياة الطبيعية كما ينبغي أن تعاش ومؤمنون بكونهم مستحقين لما هم فيه بالرغم من أنه لا وجه حق بالمرة لما يحدث لهم ويعيشونه وإن باعتبارهم بشرا فقط الواقع الذي يعاش في اليمن اليوم قد يكون واقعا باعتبار التسمية فقط أما بالعودة إلى قراءته واستيطان خفاياه ودواخله فسيبدو جليا أنه أقرب إلى مشهد متخيل في فيلم أكشن هوليودي أو مقطعا من رواية لا علاقة له بتفاصيلها ولا هو قريب من إدراك قارئه.
ما الذي يحدث¿ ما الذي حدث¿ ما الذي سيحدث¿ كلها أسئلة ستظل علامات استفهامها معقوفة زمنا غير قصير وتطل علامات التعجب من حولها شاخصة كمنارات موغلة في فضاء مفتوح حتى مواعيد لا أظن أن أقربها قريب ولا أن أبعدها بعيد ايضا .. مشهد غائم عائم لا ثبات له ولا لملامحه إلا في كونه حاصلا يجب التعايش معه بأي حال من الأحوال وهذا عموما هو ما يظهر كسبب لتعطيل وتعطل أجزاء من مظاهر الحياة العادية في أقل مستوياتها والتي من حق أي إنسان في أي مجتمع معاصر أن ينالها دون اشتراطات أو قيود دون مخاوف أو توجسات تكاد توقف رغبته فيها بين الفينة والأخرى.
وأكثر أسباب الخوف أن يستمر حال البشر والبلاد في هذا التأرجح الذي ما يزال في حدود السيطرة ليغدو أبعد من أن تحيط به السيطرة وتتحكم فيه الإرادات .. تلك الإرادات التي انحصر فعلها والتحكم فيها في فئة واحدة هي فئة السياسيين الذين ساموا ويسومون البلاد سوء الحال .. مع اعتقاد بأن الوضع والحال عموما قد خرج من سيطرة وإرادة هؤلاء الذين كانوا وسيظلون عود ثقاب لكل حرائق البشر والشجر وربما الحجر أيضا في هذا الوطن الذي لم يكن لا هو ولا أهله الطيبون المكان الطبيعي لكل هذا الوجع .. لكل هذا القلق .. لكل هذا الموت المتشبه بالحياة.
أيها اليمنيون .. لم يعهدكم التاريخ بكل هذا الحمق ولا بكل هذه القسوة على واقعكم وعلى أنفسكم!! فما الذي جرى لتكونوا غير ما عرفكم التاريخ عليه¿! لماذا تصرون على أن تنافوا كل المقولات والاعتقادات والنصوص والانطباعات عن طيبتكم وحكمتكم ورجاحة عقولكم¿! لماذا تصرون على الانتحار تاريخيا وإنسانيا وحتى أخلاقيا¿! بماذا أنتم موعودون مقابلا لذلك¿! ما هو الشيء الثمين جدا جدا حد أن تتنازلوا عن كل تلك القيم والصفات لأجله¿!
أيها اليمانيون .. يا للحسرة .. يا للحزن .. يا لوجوب العزاء والأسف¿! أعيدوا قلوبهم وعقولكم إلى أمكنتها الطبيعية علكم تعودون إلى يمانيتكم قبل أن يفوت الأوان .. والله المستعان على كل حال.