ذكاء الأطفال

يسود الاعتقاد عامة أن «النجاح لدى الأطفال» يرتبط اليوم أساسا بـ«القدرات الإدراكية» أي ما يعني درجة الذكاء التي يتم قياسها اليوم بعدد من الاختبارات وقدرات التعرف على الحروف والكلمات وعلى إجراء عمليات حسابية بسرعة. هذه المقولة تجد من يقول بأهمية عوامل غيرها ومن بين هؤلاء الكاتب الأميركي ـ الكندي بول توغ الاختصاصي بمسائل التربية والفقر في العالم الذي يركز في كتابه «كيف ينجح الأطفال» على عوامل أخرى.
هذا الكتاب حظي بنجاح كبير منذ صدوره للمرة الأولى في عام 2012 ثم إصدار طبعة جديدة مجددة منه في العام التالي. ويركز فيه المؤلف على عدد من العوامل التي يرى أنها هي المحرك الأساسي في نجاح الأطفال دون الانتقاص من أهمية «القدرات الإدراكية – العقلية» التي يتمتعون بها.
وفي مقدمة العوامل التي يركز عليها بول توغ «المثابرة وقوة التحكم بالذات والفضول المعرفي والوعي والشجاع والثقة بالنفس». ما يؤكده المؤلف هو أن التمييز بين القدرات الإدراكية – العقلية وبين القدرات غير الإدراكية هو بمثابة ممارسة ثورية في السياق التربوي لجميع البلدان وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية نظرا للتفاوت الاجتماعي الهائل ولطبيعة المناهج التدريسية وللسلم «الهرمي» بين مؤسساتها العلمية وجامعاتها.
ويشير المؤلف في البداية أن مشروع كتابته لهذا الكتاب تكون على قاعدة محاولة الإجابة على أسئلة عديدة ترددت عليه على مدى سنوات بعد عمل أول له عن مشروع تربوي في حي هارلم بنيويورك. أسئلة من نوع: لماذا ينجح بعض الأطفال بينما يخفق آخرون¿. ولماذا يكون أطفال الفقراء عموما أقل حظا في النجاح من أبناء العائلات الميسورة¿ وماذا نستطيع أن نفعل من أجل توجيه الأطفال نحو قدر أكبر من النجاح¿..إلخ.
البحث عن إجابات لتلك الأسئلة وما يتفرع عنها من أسئلة أخرى دفعت المؤلف كما يشير إلى بحث ميداني في عيادات طبية للأطفال ومدارس في أحياء فقيرة وأخرى في أحياء ثرية ومدارس عامة وأخرى خاصة. وخرج من ذلك كله بفكرة أولى هي أن نقاشا كبيرا يجري في أميركا حول الطفولة عامة وحول نجاح وفشل الأطفال بصورة خاصة.
ومن الأفكار التي تتكرر في تحليلات المؤلف أنه «من الصعب على الأطفال أن يكبروا في أحضان الفقر». ذلك على خلفية القول إن دماغ الأطفال يتطور بأشكال مختلفة تبعا لما يتلقونه من غذاء وظروف معيشة. وطريقة التطور قد يكون لها نتائجها لاحقا على صعيد المدرسة والصحة والسلوك عامة.
ومن هنا يصوغ المؤلف «مفارقة» في الحصول على فرص العمل. ويقول إن طالبا في جامعة هارفارد يعاني من مشاكل في شخصيته يكون أسوأ ما يمكن أن يتعرض له هو الحصول على وظيفة متواضعة في أحد بنوك الاستثمار الكبرى بينما أن مراهقا من أحد الأحياء الجنوبية الفقيرة من شيكاغو يكون معرضا لسلوك «طريق السجن مباشرة».
ويركز الكتاب على دراسة تجربة تبنتها روضة أطفال تمثلت بمنهج تطوير ذهنية الطفل ويشير المؤلف أنه بدلا من التركيز على النجاح المدرسي فإن البرنامج المقرر جرى تصميمه كي يساعد الأطفال على «كيفية السيطرة على غرائزهم وأن يحافظوا على تركيزهم على المهمة التي هم بصدد تنفيذها وأن يتجنبوا الانصراف إلى التسلية وأن يعرفوا كيف يتحكمون بانفعالاتهم وأن يقوموا بتنظيم أفكارهم».
وفي معرض نقاشه لمسألة نجاح وفشل الأطفال أنهم هم في نهاية الأمر «مستقبلنا» كما يقال ويتردد. لكن مثل هذه المقولة تستدعي مباشرة ضرورة «الاستثمار بالمستقبل» من قبل أولئك الذين يملكون القدرة على ذلك من أجل دعم «الصحة العقلية» للأجيال الجديدة.
ويكتب بول توغ بهذا الصدد «لم تتم حقيقة حتى عهد قريب محاولة استخدام أدوات العلم لمعرفة أسرار الطفولة وأن يتم العمل من أجل أن نتعرف عبر التجريب والتحليل على الطريقة التي يكون فيها لطريقة العيش في سنوات الطفولة تأثيرها ونتائجها على المستقبل».

المؤلف في سطور
بول توغ كاتب أميركي ـ كندي يعمل اختصاصيا بالمسائل المتعلقة بالتربية والفقر في العالم يساهم بانتظام مع مجلة «نيويورك تايمز ماغازين». ويشرف على برنامج إذاعي تحت عنوان «الحياة الأميركية» سبق له وقدم كتابا حول مشروع تربوي في حي هارلم بمدينة نيويورك.

قد يعجبك ايضا