تحول سجن حجة إلى مدرسة شعر تبارت فيه القرائح والنزاعات الأدبية حتى أدت إلى اختلاف الرأي في السياسة

عبد الرحمن مراد


تحت سماء سبتمبر من كل عام تكون الثورة حاضرة في الذهن والذاكرة وحضور الثورة يستدعي بالضرورة المكان كمسرح احتضن الحدث أو كان له حضوره الفاعل في صنعه.
وحجة المكان ترتبط بهذا الحدث التغييري ارتباطا وثيقا وأكثر ما يميز هذا المكان أنه وقف على طرفي نقيض.. هذان الطرفان يتجاذبان الحدث.. طرف يحاول الركض مع ريح العصر وايقاع التغيير, وطرف آخر يحاول الحفاظ على ما هو كائن وذلك التناقض الضدي قد يكون فطرة متأصلة في ذهنية الإنسان العربي الذي يؤمن بالسائد ويرفض الاترياح أو الخروج عن المألوف.

لم تكن حجة معقلا حصينا وآمنا لبيت حميد الدين أو للنظام المتوكلي قبل عام 1948م ولم تكن كذلك بعد 1948م كما يشاع بل كانت تعاني مما يعاني منه الوطن كله وعلاقتها ببيت حميد الدين لا تخرج عن كونها علاقة وفاق في الرؤية التحررية من الأتراك أولا والتصدي للأدارسة الذين ينقصون البلاد من أطرافها الشمالية ثانيا.
وبما أن عامل الانتصار على الأتراك على يد الإمام يحيى حميد الدين قد عزز مكانة النظام المتوكلي في نفوس الناس وترك هالة من القداسة والتمجيد شأنه شأن أي حدث كبير آخر لذا كان الولاء المطلق بحكم الانتماء إلى ذات الرؤية والمنهج.
لم يكن الإمام يحيى حميد الدين سوى وأحد من جموع الناس صنعه الانتصار في نفوس الناس شيئا عظيما بالإضافة إلى سلالته العرقية ومكانته العلمية لذا كان الخروج عليه بمثابة الانقلاب على الدين وخروج على الثابت الذي تتميز به العقلية العربية التي لا تنتظم إلا بالعصبية الدينية كما قال بذلك ابن خلدون.
لذا كانت ثورة 48م بما صاحبها من اختلالات في المنهج والأسلوب فاتحة زمن جديد في الرؤية والفكرة إذ كانت حجة مسرحا لمجمل أحداثها.
ترعرعت على خشبة هذا المسرح ثقافة ثورية غذتها عوامل النخاقف تحت أقبية السجون بين زملاء القضية الوطنية الذين اختلفت مشاربهم فكان منهم الزيدي والشيعي والسني وكان منهم العصري وغير العصري وربما أملى أحدهم كتابا لم يكن قد عرفه غيره من قبل وشواهد مثل ذلك كثيرة مبثوثة في المذكرات التي ربما صدق بعضها وكذب بعض آخر منها بحكم اللاموضوعية وغلبة الذاتية في صنع الحدث الثوري.
لم تكن حجة كمكان وكإنسان بمعزل عن الحراك الثقافي التاريخي عبر سلسلته الزمنية فقد شهد المكان نزاعا سياسيا قائما على أسس فكرية لعل أبرز ذلك حركة علي بن الفضل التي انطلقت من جبال مسور حجة وكانت تستند على أسس فكرية حدث ذلك في القرن الثالث الهجري, وترك أثرا له في القرن الخامس الهجري في الصراع الذي حدث بين بني الحفاظ الذين كانوا يحكمون جزءا كبيرا من جغرافية هذه المحافظة والمتمثل في منطقة الشرفين وبعض أجزاء تهامة, ذلك الجدل الفكري الذي ساندته سيوف القبائل ومصالح السياسة ترك أثرا سلبيا في الجانب المعرفي والمعلوماتي إذ غالبا ما يعمد الظرف المنتصر طوال الحقب التاريخية التي مرت على هذا الوطن إلى طمس كل المعالم الفكرية والمعرفية والتاريخية للطرف المهزوم حتى تغيب الحقيقة بين رغبات الذات وانكسار الآخر.
ثمة تراكم معرفي في أصقاع الوطن لم تمتد إليه يد البحث الأمينة حتى الآن وهذا التراكم قد يضر هذا الإنسان لأنه من نتاجه والخوض في هذا الموضوع قد يطول لكن الإلماح إليه يصبح من الضرورة بمكان حين نتحدث عن الواقع الثقافي في عقد أو عقدين من الزمان هما عقد الأربعينيات وعقد الخمسينيات من القرن الماضي لأن ثقافة العقدين امتداد لما قبلها وبمعرفتها يمكننا رصد التطور الحاصل في العقدين والأثر الذي طرأ على ما هو سائد.
اكتسبت حجة مكانتها التاريخية في القرن العشرين من كونها كانت مسرحا للحدث السياسي وقد تلاقت كل الأطياف الفكرية لتحدث جدلا بين الجديد والقديم هذا الجدل أثمر شيئا جديدا في سماء الثقافة الوطنية ربما كان يحمل بعض سمات المغايرة كما قال بذلك عبدالله البردوني عند حديثه عن مدرسة حجة الشعرية.
مدرسة حجة الشعرية:
من الثابت تاريخيا أن وجود الطليعة المثقفة داخل قلعة القاهرة بحجة لا سيما بعد انتفاضة 48م قد فجر الكوامن الشعرية عند معظم الأسماء الشعرية التي ارتبطت شعريا بحركة التحرر يقول البردوني وقد تلاقى كل الشعراء إلى سجن حجة فتوحدوا توحد الزنود في القيد ثم توحد العصافير في الخميلة وإذا بسجن حجة يتحول إلى مدرسة شعرية تمد عهدها الأول وتستجد عهدا جديدا أو قريبا إلى الجديد.
وقد استضاف السجن معظم الاعلام الأدبية المعروفة وبعض تلك الاعلام تعاملت مع القصيدة لأول مرة داخل جدران السجن الذي تحول كما اسلفنا إلى مدرسة فكرية وأدبية يقول البردوني: فقد تحول سجن حجة إلى مدرسة شعر تبارت فيها القرائح والنزاعات الأدبية حتى أدت إلى اختلاف الرأي في السياسة وذهاب المودة أحيانا مع أن اختلاف الرأي لا يذهب للود قضية إلا أن هذا الاختلاف و…………… لم تمنع من الاستمرار

قد يعجبك ايضا