لملموا الجراح فلا مفر من التعايش
عارف الدوش
لن أخوض في عموميات أو تفاصيل ما عاشته العاصمة صنعاء والبلاد والعباد من خوف ورعب ونزوح للسكان من مناطق المواجهات والاشتباكات فمثله حدث الكثير في فترات سابقة سواء في العاصمة صنعاء او في عدن أو في مدن يمنية اخرى.
باختصار لقد عشت بنفسي أنا وأسرتي ومئات الأسر والعائلات كل الخوف والرعب وشاهدنا الأهوال وسمعنا مختلف أصوات الاسلحة والقذائف في واحدة من مناطق المواجهات وأشرس الإشتباكات ” وهي المنطقة الواقعة بين الفرقة الأولى مدرع المنحلة وجامعة الإيمان وما يطلق عليها تبه صادق الأحمر ” فسلم الله إلا من أضرار بسيطة على الصعيد الشخصي لكن هناك من تضرروا وهناك من فقد عزيزا وغاليا إنها مأساتنا نحن اليمنيين ننتقل من حرب إلى أخرى.
لن أصف ما حدث برغم مأساويته وبشاعته فتلك هي طبيعة الحروب والمواجهات والاشتباكات الدامية وسأكتفي بما قاله الرئيس عبدربه منصور هادي في خطابه الهام بمناسبة العيد الـ52 لثورة 26 سبتمبر الخالدة ” حان الوقت الآن أن يتعظ الجميع ويدركوا أن الوطن يتسع للجميع وليس حكرا على أي طرف كان وأن بناءه ومستقبله أمانة ومسؤولية عظيمة يتحملها أبناؤه بشراكة وبروح الانتماء الكبير للوطن من أقصى صعدة إلى أقصى المهرة “
لقد كان الأخ الرئيس هادي يدعو أبناء الوطن لتجاوز صراعاتهم المستمرة منذ حوالي قرن من الزمن وحتى اليوم تحت عناوين مختلفة يبررون من خلالها في كل مرة حروبهم وصراعاتهم التي أعاقت بناء الوطن ودولته المنشودة وأصابت اليمنيين بالكثير بالمأسي والويلات .
فلو استعرضنا تاريخ اليمن شماله وجنوبه شرقه وغربه منذ بداية القرن العشرين الماضي فلن نجده غير فترات صراعات وحروب وفي كل مرة يتغلب طرف أو أطراف بقوة الحديد والنار وينهزم طرف أو أطراف اخرى والنتيجة جراحات ومآس وثارات وأحقاد وضغائن .
وكل الحروب والصراعات التي خاضها اليمنيون أثبتت عمليا أن الإقصاء والتهميش واستخدام القوة لفرض نموذج حكم وطريقة حياة لا تلبي تطلعات جميع سكان ومناطق اليمن المتنوعة جغرافيا وحياتيا وتعبدا تؤسس لدورة جديدة من الحروب والصراعات والانتقام والدمار والمأسي سواء حكمت اليمن دويلات أو دولة واحدة .
ولكن هناك فترات جسدت حالة التعايش بين مكونات اليمن البشرية والجغرافية المتنوعة بفعل احترام التعدد والتنوع وقدرة النخب الحاكمة على الاستفادة من ميزة التعدد والتنوع والبحث عن المؤتلف لتحقيق حالة رخاء وأمان وطمأنينة لليمنيين باعتبارهم كتلة بشرية منتجة احتفت بتنوعها وتعددها لتحقيق الرخاء لنفسها وبلدها فاليمنيون لا يوجد بينهم انقسامات حادة يمكن أن تحولهم إلى فرق وشيع متصارعة متحاربة كما تلاحظه في أكثر من بلد .
وفي كل مرة يتقاتل اليمنيون فينهكون مقدراتهم وانجازاتهم ويحفرون أخاديد من الحزن والأحقاد والمأسي في ما بينهم لكنهم سريعا يعودون مرة أخرى للبحث عن المشترك في ما بينهم ويقرون بالتنوع والتعدد محاولين صناعة المؤتلف من التنوع والتعدد .
وكثير من المراقبين والباحثين من الإصدقاء والآشقاء يتعجبون منا نحن اليمنيين خاصة وهم يرون أن ما تخرج به حواراتنا ووثائقنا السياسية يشخص المشاكل ويضع الحلول الناجعة وأخرها ” مخرجات الحوار الوطني ” الصادرة عن مؤتمر الحوار الوطني.
السبب بسيط وواضح وهو أن اليمنيين في كل مرة يصلون إلى التشخيص السليم لمشاكلهم لا يضعون الأليات التنفيذية وإن وضعوها يتساهلون أمام الضمانات الحقيقية لسلامة التنفيذ والتجارب كثيرة ومدونة ومعروفة ولا يتسع الحيز هنا لسردها فبعد كل مؤتمر حوار واتفاق ووثيقة يصل إليها اليمنيون نجدهم لا ينفذون ما اتفقوا عليه وإنما يستعدون لحرب جديدة تخلق واقعا جديدا لتجاوزها.
فالداء معروف والدواء متوفر لكن الغائب الوحيد الإرادة الوطنية الفعالة لبناء دولة الشراكة الوطنية التي يعمل فيها ويتواجد في مختلف مفاصل البناء والتنمية كل التنوع والتعدد الذي تزخر به اليمن وبدون دولة الشراكة الوطنية الحقيقية لن تبنى دولة ولا وطن وسيظل اليمنيون طرفا أو أطرافا يحكمون ويستبدون وينهبون ثروات الوطن ويقصون طرفا أو أطرافا أخرى ويراكمون الأخطاء والأحقاد التي تؤسس لدورات جديدة من الحروب والإقصاء والتهميش.
وأخيرا: يتعين على اليمنيين بمختلف أطيافهم وتنوعهم أن يلملموا جراحهم أن يلتزموا اخلاقيا أولا بتنفيذ ما يتفقون عليه من استحقاقات وطنية وأخرها ” اتفاق السلم والشراكة الوطنية” وقبله ” وثيقة الحوار الوطني الشامل ” وأن يؤمنوا ايمانا عميقا ثانيا بأنهم بكل تنوعهم وتعددهم الجغرافي والحياتي ” عادات وتق