• من (حرب الاستنزاف) إلى (حَلْبِ الاستنزاف)، تنتقل بنا المواقف الشاذة، لحكامٍ ليس لهم من الأمر إلا الانقياد والطاعة، بعد أن أخضعتهم الاتفاقيات والمعاهدات لهيمنة المستعمر الغربي، الذي يُطل بسَحنته الشاحبة، بعد غياب الموقف العربي، لأكثر من عشرين شهراً.. من موسم حصاد الأرواح، في (غزة)، إلى حصدِ الضمائر والعروبة، وحتى الدين لملوك وأمراء، سخّروا كل إمكانات بلدانهم وثرواتها لخدمة الجلاد، و(تحت أمرك.. طال عمرك)، فتحولوا إلى “بغايا” في مرقص يبيع كؤوس وقناني الدماء العربية المسلمة بلا ثمن، وضموا إلى ناديهم قُطرَاً عربياً، طالما كان نبراساً للعروبة، والمواقف الثابتة، تجاه قضايانا المصيرية، وأولاها القضية الفلسطينية، التي بتجدد انبعاثها في السابع من أكتوبر 2023م، باتت تشكل معياراً لفرز الخبيث من الطيب، في أمّةٍ تترامى أطرافُها من وسط وجنوب آسيا إلى أقصى غرب أفريقيا، على مساحة تتعدى الـ 20 مليون كيلومتر مربع، وتحوي قرابة الملياري مسلم، لم يصدر منهم ما يوازي ما تعمله دولة الكيان – التي لا يتعدى مستوطنوها العشرة ملايين- في يوم واحد، من مئات أيام إرهابها وإجرامها بحق مواطني غزة والضفة، أصحابِ الأرض والقضية.
• قممٌ إسلامية وعربية ولّت وانقضت، وقممٌ أخرى ستُعقد والشعوب المضطهدة بعنف الحكام، تترقب يائسة، بانتظار معجزةٍ إلٰهيةٍ تغير الواقع المرير، متعلقةً بالبأس اليماني، الضوء الوحيد في ظلام الأمة الدامس.
قممٌ لم تخرج سوى ببيانات الإدانة والشجب والشكاوى البائسة اليائسة إلى الأمم المتحدة، ومحكمتها -التي يحاكم رئيسها حالياً بتهمة أخلاقية-، والتي لا يُنتظَرُ منها سوى الصمت والخذلان.
• قمةٌ واحدةٌ كان لها الأثر الكبير، ولكن بارتداد عكسي، ضاعف من إحباط الشعوب العربية والإسلامية، هي تلك التي جمعت (ترامب) بأترابه الأعراب، خُدامِ الهيكل، وحُراسِ العقيدةِ الصهيونية، المنافحين بقوة عن قضايا عصابة العشرة مليون، بكل بسالة وصرامة، المتراخين حد النعاس عن قضايا أمتهم المليارية، والذائدين عن معبودتهم الإرهابية (دولة الكيان) من ويلات الحصار البحري ومن ثم الحصار الجوي، اللذين فرضهما يمن الأنصار عليها بقوة واقتدار.
• 4 – 6 تريليونات دولار جناها (ترامب) في جولة ترفيهية، لا تتعدى الثلاثة أيام، حطمت الرقم القياسي عالمياً وتاريخياً، فيما يتعلق بالصفقات والمعاهدات التجارية، بينما سكان غزة يموتون جوعاً وعطشاً وقصفاً بأعتى الأسلحة الأمريكية، منذ 2023م حتى اليوم، ولم يستطع أصحاب الفخامة والمعالي والسمو إدخال قافلة خبز وماء لنجدتهم، ولم يستطيعوا إيقاف المجازر الوحشية، التي تنالهم صباحَ مساء، من عدو يعلن صراحة أنه بصدد التمدد شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً -وقد بدأ ذلك بالفعل- ويحدد بالخرائط أن جزءاً من (السعودية) ضمن مخططه القادم، يؤيده (ترامب) بالتأسّي على أن مساحة (ما يُدعى بإسرائيل) صغيرة، وينبغي لها أن تتوسع، فيلهث (رعاة الشاء)لرفده بالتريليونات، ليكتمل مخططه، الذي ينبغي – بنظرهم – أن يتم.
• فتحوا السجون لشعوبهم، وكمموا الأفواه، واستقصوا المتعاطفين مع (غزة)، حتى حشروهم في الزنازين، وآخرهم (علي حسين المهدي) الشاب المصري الذي اقتيد من أمريكا إلى سجون المحروسة، ليطفئوا نور الحرية، وصوت الحق، وكأنهم ليسوا سوى شرطة قمع لكيان الاحتلال الصهيوني.
• لم يلتفتوا حتى للجَوعى من مواطنيهم، وأتخموا ملك الاستعراضات الجوفاء، الذي بالأمس انهزم في البحر الأحمر وولى الدبُر، ليعود لهم اليوم بصفقات، ليس منها صفقة واحدة أو مشروع واحد لبلدانهم، بل مجرد حَلْبِ استنزاف لثروات بلدانهم ولضمائرهم.. فمن زاوية الرؤية لترامب: يجب عليهم أن يُثبِتوا ولاءهم وانصياعَهُم وطاعتَهُم، فبهروه بتجاوز ما كان متوقعاً منهم.. ولو طلب منهم دماء شعوبهم لما قصّروا، جاعلين من أنفسهم ككلاب البودل الطيّعة المخلصة الوفية، كلما ذكرهم بهرطقة الحماية، وبأن أمريكا هي سبب بقائهم على كراسي الحكم.
• موسم حَلْبِ الاستنزاف هذا لم يكتمل، بل ابتدأ فصلاً جديداً من فصول المأساة العربية القائمة على صياصي الإذلال والاستعباد، الحقيقي، لمن لم يعد لديهم دين ولا عروبة ولا حياء ولا إنسانية.
فصل جديد ابتدأ بأكبر صفقة سلاح عبر التاريخ، بمبلغ 164 مليار دولار للسعودية، لتتوجه إلى صدور الأمة، الصادقين منها، المواجهين لأقبح مجرمي الحروب عبر التاريخ.
• إنها أرقام قياسية بالفعل:
_ من أسوأ جريمة إبادة جماعية مستمرة منذ عامين، تخطت كل المقاييس.
_ إلى أكبر صفقة حَلْبٍ قياسية.
_ إلى أكبر صفقة سلاح عبر التاريخ.
_ إلى أكبر صفقة بيع للمبادئ.
والنتيجة بالتأكيد ستكون:
= أكبر صفقة تسليم أوطان في التاريخ.. فالذي يجري الآن خلف كواليس السياسة، بيع مساكن وأراضٍ لليهود، وصفقات توطين، وتجنيس، تمهيداً للبيع بالجُملة.
• الأيام القادمة ستكشف مدى الانهيار الأخلاقي الذي وصل إليه السعودي و(شِلّته) من أعراب النفط، ومدى الهُوّة التي وسعوها لتنفرط آخر حبات عُقد الأمل في نفوس المخدوعين بالضاربين من على عروشهم وجوه شعوبهم وآمالها وتطلعاتها عرض المجهول.
• ويبقى الأمل بالله، وبجنده الشجعان في اليمن وغزة، وحزب الله، والحشد الشعبي، وإيران التي يعملون على إلهائها اليوم بالمناقشات والمباحثات، بينما يُعدون لها ما يضمنون به طمأنة “النتن” بأيدي نتانات الجزيرة العربية، التي لم تعد عربيةً سوى بالاسم فقط.