المرأة »ضحية وجلاد« لدى أمل عبدالله
الغربي عمران

أثناء زيارتي للكويت بدعوة من رابطة الأدباء الكويتيين للمشاركة في احتفالات مرور نصف قرن على تأسيس الرابطة.. أتيح لي اللقاء بالصديق الباحث طلال الرميضي والأديبة أمل عبدالله والقاصة والتشكيلية منى الشافعي وعدد من الأدباء الذين تشرفت بتبادل الإصدارات معهم.. ومنها إضمامة قصصية للأديبة أمل عبدالله بعنوان “هب السعد” تضم أحد عشر نصا سرديا قصيرا..صادرة في الكويت 2013م.. عن منشورات ذات السلاسل.
وقد دعاني أحد النصوص “في الوطن لن نضيع” لاستعادة ذكريات حرب الخليج المؤسفة والمؤلمة .. ورعونة غزو الكويت .. ثم ما تلت ذلك من أحداث كبيرة .. منها تدمير العراق.. ثم هبوب رياح الخريف العربي الذي أتى على ما تبقى .. وكأن ما ينقصنا هو المزيد من الخراب. في نص “في الوطن لن نضيع” قدمت لنا الكاتبة المأساة من خلال أسرة تقرر الرحيل خوفا من الجنود العراقيين.. لكنهم يعلقون في الصحراء بعد تعطل سيارتهم.. ينتظرون وسط صحراء مترامية لتظهر فجأة دورية عراقية وتعيدهم إلى منزلهم. والنص وما فيه من خراب وترميز .. لا يعني الكويت فحسب.. بل يعني ما يدور اليوم في ليبيا.. العراق..مصر.. اليمن ..سوريا والقادم معتم.
وأنا لست مع من يقول بموت المؤلف.. فمن ناحية الوعي التراكمي للمؤلف يكتب ما يكتب .. خاصة إذا ما كان المكان والزمان يعني الوطن .. ويعالجهما العمل في مجتمع بعينه.. وكاتبتنا تعيش الأمس بما تعنيه تلك التغيرات التي عاشها مجتمع بسيط يعتمد على البحر.. مرورا بالتحولات وحياة الطفرة البترولية.. وانتهاء بما يعيشه اليوم المجتمع الكويتي كنتاج للأمس بأحداثه وتحولاته .. وأمل عبدالله هي مثال للأديبة الملتزمة عن وعي بتاريخ المجتمع وتركيبته.. وبذلك هي تحمل وطنا متخيلا لم تفصح عنه تلك النصوص بشكل مباشر.. وما تصديرها لتلك المقدمة ص (5) والتي جاءت في ثمانية أسطر .. تحمل نفسها من خلالها مسؤولية تخليد أشخاص عاشوا في حب الوطن وتلك الشخصيات من هامش المجتمع .. وهذه هي وظيفة الأدب.. فروح الإنسان هي ثقافته وقيمه وعاداته .. ونصوص الإضمامة تشيء بذلك القلق والخوف من اندثار تلك القيم والعادات والتقاليد.. في الوقت نفسه تمارس تلك النصوص هدم السالب منها.. لتقترب من ثقافة التراحم والتكامل والتسامح.. كما تدين تلك النصوص قيم التوجه الاستهلاكي ومظاهر العنجهية والتسلط.
المرأة
الساكنة جل نصوص الإضمامة.. فتلك الشخصيات من فاطمة في نص “هب السعد” والذي استعارت الكاتبة عنوان هذا النص ليكون عنوانا عاما.. وهب السعد كما جاء في الهامش أغنية خاصة بالأعراس في الكويت. فاطمة وهي العروس التي تزف لعريس لم تره ..تعمل أسرتها وصديقاتها وجيرانها في تلك الليلة على تزيينها استعدادا للقاها المرتقب بعريسها.. وخلال سير أحداث النص يتضح لنا أن المجتمع يعيش في ذلك الزمن تحت ضغط عادات العيب .. فالعروس لا تعرف أي كائن ستزف إليه.. وأثناء تزيينها سمعت أغاني الطقاقة تردد مطلع أغنية من حجرة مجاورة فعلقت بالاستحسان لتأتي عمتها لزجرها لأن الأغنية تذكر اسم فهد.. وهنا تبين الكاتبة كم كان المجتمع غارقا وخاصة فيما يخص المرأة في دوائر العيب. وتأتي المفارقة اللاذعة لحظة اقتراب العريس ليجلس بجوار عروسه لترى قبحه وكبر سنة فتشيح بوجهها بعيدا.. لتهمس عمتها زاجرة تصرفها قائلة :ابتسمي لعريسك الجمال لا يدوم بل ما يملك هو كثير.
وشخصية أخرى “آمنة” في نص “قطار الصحافة”.. والتي تنتظر عودة خطيبها الذي يواصل دراسته في إحدى الجامعات المصرية.. لتأتي الأحداث بتكليفها من قبل إدارة الصحيفة التي تعمل بها ضمن وفد للتعرف على مستوى الصحافة هناك .. تسافر, يحملها الشوق لمقابلة خطيبها محملة بالمؤن والهدايا إليه من أمها والأهل.. لكنها تفاجأ بتلك الفتاة التي تستقبلها أثناء وصولها عنوان سكنه.. لتكتشف بأنه قد تزوج هناك. وهذه مشكلة أو ظاهرة متفشية في المجتمعات الخليجية لعدة عوامل لم يعالجها النص نتيجة لضيق الحيز الذي تتيحه القصة ولم تتح لها فرصة معالجة أي منها.. لكنه الأدب ووظيفته فتح أفق واسع للتساؤلات والتأويل.
حنان في نص “انكسار اليتيم”.. المحمل بقسوة ذكورية ومن الامتهان الأنثوي ما يجعله ضمن أقوى النصوص.. إضافة إلى نص آخر بعنوان “طلاق فاطمة”.. وشخصيته المحورية فاطمة مع اختلاف الجلاد.. ففي نص حنان الجلاد رجل وهو زوج الأم الذي يأتي مع زوجته في زيارة لبناتها التي لم تتجاوز الكبرى العشر سنوات حنان.. لتظهر الكاتبة مدى جلافة وقسوة بعض الأفراد حين يعامل بنات زوجته بأسلوب السجان وهو ينهرهن على أبسط التصرفات .. يفوح بعنجهيته وهو يوجه زوجته بتقديم الهدايا المحملة من العريس المنتظر إلى ابنتها الطفلة التي فرحت بتلك الهدايا دون وعي .. وفي لحظتها تبين موقف الأم الممتهنة وتلك الجدة التي لا تملك إلا أن تتابع ما يدور في حسرة .
أما فاطمة فهي زوجة لشاب لا يز