الرقص …..حرية الجسد

عبدالرحمن بجاش


 - 
سيقول أحدهم من زاوية أي مقيل حشوش : وهل هذا وقت الرقص يا بجاش !! , أقول : نعم بل أنه أنسب الأوقات , ففي وسط هذا الهجير اللافح للعين والوجدان عليك أن تفتح ثمة نافذة على البحر وتذهب بنظرك إلى آخر المدى تطير مع النوارس وتسافرمع الموج إلى شطآن الله وموانئ البشر مدن بعيدة تعيش حلمها, أقول حين يجيد الفرد ممارسة الحياة رق

سيقول أحدهم من زاوية أي مقيل حشوش : وهل هذا وقت الرقص يا بجاش !! , أقول : نعم بل أنه أنسب الأوقات , ففي وسط هذا الهجير اللافح للعين والوجدان عليك أن تفتح ثمة نافذة على البحر وتذهب بنظرك إلى آخر المدى تطير مع النوارس وتسافرمع الموج إلى شطآن الله وموانئ البشر مدن بعيدة تعيش حلمها, أقول حين يجيد الفرد ممارسة الحياة رقصا فقد حرر الجسد وتحرر الإنسان بانطلاقته إلى سماوات الله كتلك الطائرة الورقية التي يلهو بها طفل !! , للأسف الشديد ارتبط الرقص في أذهاننا بكل ماهو بعيد عن الأخلاق !! , والغريب أن أجدادنا وآباءنا رقصوا حتى الثمالة, في قريتي حدثتني جدتي رحمها الله أن (( دفú )) غازيه حين كان يصعد صوته من فوق وادي الجنات إلى أسماع القرى فتجد أهلنا يقفزون قفزا إلى حيث يتشرحن (( خادماتها )) وقيل أن قرية كبيرة بجانبنا خسر كبار قومها معظم أرضهم لغازية !! , إذ أن كل دقة شرح منحت قطعة أرض مقابلها !! , الآن أحفادهم يشيرون إلى الرقص على أنه عيب , لمجرد تمايل الأجساد , لا يفهمون لتدني وعيهم أن التمايل لحظة تحرره من كل أوساخ الحياة وعملية سمو ترتقي بصاحبها إلى النجوم , وإن أردتم فاقرأوا كما قرأت متأخرا جدا لمن قالت في نهاية مقالتها الطويلة (( لست كاتبه )) , وأقول إنك إذا لم تكون يا سعاد حسين حيدر أنت الكاتبة فمن يكون وخاصة حين تكون الكتابة عن فن راق وسام هو الرقص موحد الإنسان بالسمو , في سنوات تبادل الزيارات استقبلت ليالي صنعاء ما فاجأها وجعلها تبتسم لفرقة رقص رأسها د.أحمد سعيد الكوشاب رحمه الله , تعيد سعاد أمر الفرقة والاهتمام بالرقص وكل أشكال الثقافة والفنون إلى الرجل (( العلامه المضيئة لزمن جميل ونبيل وحالم وعبقري عبدالله عبدالرزاق باذيب )) , وسعاد قرأت مقالتها مرات في كتاب أهملته بسبب العمل الإداري سنينا , حتى إذا عدت افتش وجدت (( أوراق فلكلوريات عدن ….فضاء للتعايش , الانفتاح , المحبة والجمال )) , وأجد هذه المبدعة حرفا ورقصا تبكي الرقص زمن جميل ارتبط أمر تأسيسه بالأخلاق (( كان الخبير البرت حريصا على أن لا نقبل على دراسة الفلكلور إلا بعد أن ننصت ونستوعب ونتعلم درس الأخلاق وفن التعامل وقواعد السلوك المرتكزة على الاحترام والمحبة والوفاء والاستماع الجيد , وكان دقيقا وصارما وقاسيا إلى حد بعيد مع من يخالف تلك القواعد ويخرج عن حدود الكياسة واللباقة واللياقة)), و(( تحت نظر وزارة الثقافة – باذيب – التي احتفت بتألقنا وانسجامنا إلى أن شجعتنا على الزواج من بعضنا )) و((كانت الألفاظ النابية والسيئة محظورة وكان قرار المنع من التدخين يعني الطرد في حالة مخالفته )) , الآن يقولون: الرقص (( عيب )) ببساطة لأنه يكشف جوع كثير من النفوس لأجساد تسمو وتتوحد وعيون جوعى لا تشبع !! تقول سعاد (( ما أقسى أن يرقص المرء بجسد مقيد بالخجل , وواقع في مرمى سهام نظرات التوحش والافتراس )) , لقد أساءت سينما شباك التذاكر للرقص السامي الإنساني الذي تصفه حيدر (( اكتشفنا أن الرقص لغة انسانية كونيه , تشكل أرقى اشكال التواصل على وجه الأرض )) أساءت إلى معناه السامي بترويج رقص فيفي عبده وكائن نتن اسمه (( دينا )) اللتين تعرضان مفاتن أجساد ولا ترقصان , نحن نتحدث عن رقص يسمو بك ويرتفع بنفسك إلى الأعالي , بالطبع فالرقص يحرم كل يوم والموسيقى لم يعد لها وجود في مدارسنا , وحرمهما ولا يزال من جاءوا من قرى, ابترعت, وتشرحت, ورقصت أيام مواعيد الحصاد والأعياد والأعراس , لا تزال (( شهقة القهر طالعة من أعماقي )) على د. الكوشاب وفرقته التي أبهرت ليالي صنعاء على خشبة مركز الدراسات ….. , ورقص أدخل ضمن المحرمات , ولذلك فانظر إلى جدب حياتنا اليومية حيث لا مسرح, ولا سينما, ولا قاعة تصدر من نوافذها أنغام الموسيقى التي أقول لمن حرمها : إذا حرم أصوات خرير المياه وعصافير الأودية, وارتطام الموج بالصخر , وتدفق السيل , وحفيف الزرع حين يرتطم بالريح الهادئة, الرقص يا سادة لغة الجسد الإنسانية , ورعية عبدالله عبدان (( الجنس الأسود )) , واسألوا الأفارقة وشعوب أميركا اللاتينية التي لا تزال تبدع وأكثر إنسانية لأنها ترقص وتغني , وتعزف على الجيتار , ويحول الكوبيون خطابات كاسترو إلى أناشيد , وكم غنينا ورقصنا مع العالم أيام موسكو الجميلة (( جوانتاناميرا )) , العالم يغني ويرقص ويبدع  ونحن مشغولون بأقدامنا التي لم تعد تدري كيف وإلى أين تمشي …….

قد يعجبك ايضا