صور مقززة في الحياة العربية المعاصرة

عباس غالب


 - 
"صورتان مقززتان" لا تختلف الأولى في بشاعتها عن الأخرى رغم بعدهما الجغرافي, الأولى ارتكبتها بدم بارد عناصر الشر والإرهاب هنا في أرض السعيدة التي لم تعرف هذا الشـره في امتصاص الدماء الآدمية عبر تاريخها القديم و المعاصر و الحديث .. وهو الش

“صورتان مقززتان” لا تختلف الأولى في بشاعتها عن الأخرى رغم بعدهما الجغرافي, الأولى ارتكبتها بدم بارد عناصر الشر والإرهاب هنا في أرض السعيدة التي لم تعرف هذا الشـره في امتصاص الدماء الآدمية عبر تاريخها القديم و المعاصر و الحديث .. وهو الشره المتمثل في ما اقترفته عصابات الإرهاب في سيئون منذ أيام ضد أبرياء جريمتهم أنهم ينتمون إلى المؤسسة الدفاعية والقيام بذبحهم الواحد تلو الآخر والتمثيل بجثثهم والتلذذ بنشر صورهم عبر وسائط الإعلام المرئية في واحدة من أكثر الجرائم المنافية لقيم الإنسانية وشرعة حقوق الإنسان والمتعارضة مع أبسط مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي يحث على حرمة قتل النفس البشرية إلا بالحـق.
الصورة المقززة الأخرى التي تعبر عن هذه الوحشية في سحل الأبرياء وامتصاص دمائهم فتتجسد فيما يجري راهنا داخل مناطق الأقلية اليزيدية شمال إقليم كردستان العراقي, حيث ينقل الإعلام صورا بشعة لدفن الأحياء من الأطفال والنساء و ذبح الرجال وملاحقة الفارين عبر تلك الجبال الوعرة من قبل تلك العصابات الإرهابية التي خلت من كل قيم الإنسانية.
وإجمالا فإن الصورتين البشعتين اللتين تجريان بأحداثهما المأساوية في اليمن والعراق غير منفصلة البتة مما يجري في عديد الأقطار العربية التي ابتليت بهذا الداء العضال والورم السرطاني الخبيث الذي يتمدد ليعيث فسادا في الأرض وفرقة في المجتمع وقلقا في النفوس فضلا عن استشراء الخوف من هذا الوباء في قـادم الأيام على مستقبل المنطقـة بل أن ثمــة تساؤلات عما إذا كانت ثقافة امتصاص الدم ومحاولات إبقاء دول هذه المنطقة في دوامة الاحتراب لعقود طويلة قادمة ولأهداف غير واضحة المعالم في اللحظة الراهنة هي مربط الفرس في كل ما يجري على الساحة العربية بتجاذباتها وتداعياتها ومآسيها الإنسانية¿!
وإذا كانت هذه التساؤلات لا تبارح الذهنية العربية فإن الأمر الذي لابد منه -في المقابل- ضرورة استحضار الأمة ونخبها السياسية والفكرية حلولا لمحاصرة هذه الظاهرة بوسائل وأدوات بديلة تضاف إلى الردع العسكري باعتبار أن جعبة هذه الجماعات الإرهابية لا تخلو من خيوط تقود إلى إمكانية بلورة صيغ مشتركة في المجتمـع تساهم في اجتثاث هذا التطرف من جذوره بل وتبدو الإفاضة في هذا الإطار ضرورية من خلال توجيه رسائل الاطمئنان التي تؤسس لشراكة مجتمعية فاعـلـه وبما يجنب الأوطان العربية الدخول في نفق مظلم جـراء هذه المواجهة التي لا أحد قادر -حتى الآن- السيطرة عليها وهو الأمر الذي لن يقود في مطلق الأحوال إلى صياغة مشروعات النهوض الحضاري في هذه البلاد.
والمطلوب قبل كل هذا وذاك الدعوة إلى الاصطفاف وتوحيد الرؤى والأفكار تجاه هذه المعضلة المؤرقة وعلى النحو الذي يؤدي إلى تأمين صفوف الجبهة الداخلية وتعزيز تلاحمها الوطني وتفعيل توجهات الشراكة في السلطة والثروة داخل الأقطار العربية فضلا عن التمسك بخيارات الديمقراطية والتعددية و التسليم بمبدأ التداول السلمي للسلطة وكفالة حقوق الإنسان باعتبارها الخندق الأول في مجابهة ومحاصرة واقتلاع شأفة الإرهاب وذلك حتى لا تذهب الأقطار العربية برمتها إلى المجهـول الذي لا يستطيع أحد تقدير كلفته الباهظة على مدى المستقبل القريب.

قد يعجبك ايضا