الشورى في الإسلام
الشيخ حسن عبدالرحمن حسانين
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد: فإن كلمة الشورى مأخوذة من مادة (شور) بمعنى أومأ, ما يقال : شاوره في الأمر: طلب منه المشورة وتشاور القوم واشتوروا : شاور بعضهم بعضا استشار الأمر : تبين واستنار.
وقد ورد لفظ الشورى في القرآن الكريم ثلاث مرات:
قال تعالى ” والúوالöدات يرúضöعúن أوúلادهن حوúليúنö كامöليúنö لöمنú أراد أن يتöم الرضاعة وعلى الúموúلودö له رöزúقهن وكöسúوتهن بöالúمعúروفö لا تكلف نفúس إöلا وسúعها لا تضآر والöدة بöولدöها ولا موúلود له بöولدöهö وعلى الúوارöثö مöثúل ذلöك فإöنú أرادا فöصالا عن تراض مöنúهما وتشاور فلا جناح عليúهöما”الآية (233) البقرة .
فإذا كان القرآن الكريم يوجهنا إلى أن نتشاور في أدنى أعمال تربية الولد وهو الفصل في الرضاع فبشكل أولي يوجهنا نحو الاستشارة في الحكم فقد أمرنا الله سبحانه رحمة الطفل أن تتشاور الأم مع الأب قبل أن يقررا فصله عن الرضاعة فرحمة بالأمة أمر الله سبحانه وتعالى الحكام بأن يتشاوروا . قال تعالى ” فبöما رحúمة مöن اللهö لöنت لهمú ولوú كنت فظا غلöيظ الúقلúبö لانفضواú مöنú حوúلöك فاعúف عنúهمú واسúتغúفöرú لهمú وشاوöرúهمú فöي الأمúرö فإöذا عزمúت فتوكلú على اللهö إöن الله يحöب الúمتوكöلöين” الآية (159) من سورة آل عمران. لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أما أن الله ورسوله لغنيان عنها ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأمتي فمن استشار منهم لم يعدم رشدا ومن تركها لم يعدم غيا” فقد كانت المشورة لعباده رحمة فقد حفظ وحدتهم بالشورى وجعل منهم شخصيات بارزة في المجتمع.
وقوله تعالى” والذöين اسúتجابوا لöربöهöمú وأقاموا الصلاة وأمúرهمú شورى بيúنهمú ومöما رزقúناهمú ينفöقون”الشورى (38) والآية في وصف المؤمنين وفي تحديد واجباتهم ومن جملة تلك الواجبات الشورى فقد وردت الشورى بين أمور واجبة منها إقامة الصلاة والإنفاق فالأولى في المجال العبادي تزكية النفس وبناء الشخصية الإيمانية, والثانية في الأمور العامة كبناء الدولة ونظام الحكم, والثالثة في المجال الاقتصادي وهي ثلاث حلقات مترابطة وهي أركان المجتمع الإسلامي.
واستنادا لهذه الآيات الثلاثة يتضح ما يلي:
1- أن الشورى مبدأ إسلامي عام لا يختص فقط في المجال السياسي بل حتى في الحياة الأسرية والاجتماعية.
2- أن للشورى مجالين الأول مشورة الحاكم المسلم للمسلمين في الأمور المتعلقة بهم والثاني مشورة المسلمين في ما بينهم على إدارة شؤونهم فهي دعوة الطرفين إلى الشورى طرف الحاكم , وطرف الرعية.
3- مبدأ التشاور قائم في الأمور المتعلقة بشؤون المسلمين دون الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص.
ولذا فإن هدى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم خير هدى وطريقته خير الطرق وأقومها فهو القدوة الأسوة “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا” ومن أمتثل نهجه تسهلت له السبل وتيسرت له الأمور وإن من أعظم أفعاله التي ربى عليها صحابته قبل قيام دولة الإسلام وبعدها وهي التي أثنى الله عليهم بها وقرنها بأعظم العبادات ألا وهي أمر الشورى.
وإن أمر الشورى يحتاج إليه في كل حين ومن عظم أمره سمى الله سورة بالشورى وقد أمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أن يشاور أصحابه وجعل العزم بعد المشاورة ” وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين”.
ولو كان أمر الشورى أمرا هينا لما جعله الله بهذه المنزلة فأمر به في أعظم الأمور وفي أيسرها وإن المتأمل في هدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلحظ استشارته للرجال والنساء في كل ما لم ينزل به نص قرآني وهو مكان للشورى فقد استشار أول ما بعث أم المؤمنين خديجة بنت خويلد وفي أسرى بدر استشار أبا بكر وعمر ويوم أحد استشار أصحابه في الخروج للقتال من المدينة أو المكث فيها واستشار يوم الخندق السعدين في ثمار المدينة واستشار أم سلمة في الحديبية وكان يقول لأصحابه كما عند البخاري “أشيروا علي أيها الناس” وقد تقرر هذا عند الصحابة رضوان الله عليهم فكانوا يشيرون عليه فأشار عليه الحباب بن المنذر في موقع غزوة بدر وأشار عليه سلمان الفارسي في حفر الخندق ودرج أصحابه على نهجه اقتداء وامتثا