الإسلام دين اليسر
الشيخ سليمان ناصف الشناوي
إن الدين الإسلامي دين كامل لا يجوز فيه زيادة ولا نقصان وهو دين اليسر والوسطية لذا فإن الإسلام أمر باليسر والتوسط في باب العبادة ونهى عن الإفراط والتفريط فيها وأمر بالتوسط في باب الدنيا وجمعها فنهى عن الانشغال بها كل الشغل ونهى عن تركها وأمر بالتوسط في باب الخلق فنهى عن الإفراط والتفريط فيه, وهكذا فالإسلام دين اليسر والوسطية في جميع الأمور المتعلقة بأمر الدين أو بأمر الدنيا, قال تعالى “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” وقد نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة العاشر من ذي الحجة وهو واقف بعرفة بعد أن صلى الظهر والعصر جمعا وقصرا ووقف في الموقف وكان ذلك في العام العاشر من الهجرة ولم يعش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها إلا اثنين وثمانين يوما وقد بكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أنزلت هذه الآية فقيل: له ما يبكيك¿ فقال: لم يتم شيء إلا نقص. وقد صح عنه رضي الله عنه أن حبرا من اليهود أتاه فقال يا أمير المؤمنين آية في كتابكم لو علينا معاشر اليهود أنزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا, فقال: وما هي¿ فقال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” فقال عمر رضي الله عنه أما أنها نزلت يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة. إن هذه الآية حددت أن الدين المرضي عنه عند الله تعالى هو ما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه لا يمكن أن يزداد بعد رسول الله صلى الله عليم وسلم ولا أن ينقص منه ولذلك قال الإمام مالك رضي الله عنه قد أنزل الله تعالى ” اليوم أكملت لكم دينكم” فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا.
ومن هنا فكل ما يزيده الناس وكل ما ينقصونه من الدين فإنما هو إفراط وتفريط فالإفراط بالزيادة في الدين والتفريط يكون بالنقص من الدين والتقصير عما طلب منه وكلا الأمرين مذموم شرعا والتوسط بينهما هو العدل الذي قامت به السماوات والأرض وهو الذي أنزل الله به الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم وهو الذي ارتضى من عباده, فكل ما شرع الله لعباده فهو المصلحة المتوسطة التي تراعي أمور الدنيا وأمور الآخرة وتراعي حقوق الفرد وحقوق الجماعات وتراعي حقوق الرب جل وعلا وحقوق العبد وهذه الأمور لا يمكن أن يراعيها مشرع إلا العليم الخبير اللطيف الذي يعلم السر وأخفى قال تعالى” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير” .
ومن هنا فلا يمكن لأحد أن يأتي بأعدل مما شرعه الله لعباده ولا يمكن أن يأتي بما هو مصلحة إلا ما شرع الله لعباده فكل ما شرعه الله لعباده فهو مصلحتهم لكن قد يغيب عن الإنسان وجهة المصلحة فيه لأنه لا يخطر بباله ما يتعلق بالآخرة فيظن أن المصلحة مقصورة على أمور الدنيا فقط.
ومن هنا يعلم أن العبادة إنما هي لمصلحة العابد وليست لمصلحة المعبود وأن المنتفع بها هو العابد وحده وأن الله قادر على هداية الناس أجمعين وإلهامهم طريق الحق ولكنه سبحانه وتعالى يبلوهم بالخير والشر ويمتحنهم بذلك قال تعالى” ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا” يونس (99).
ومن هنا كان من الواجب علينا الاعتدال والتوسط في جميع الأمور فلا يمكن أن يكون الإنسان معتدلا في اعتقاده على الصراط المستقيم ومائلا في عمله لأن عقيدته تدعوه إلى العمل فإذا استقامت عقيدته دعته الاستقامة على العمل, ولا يمكن أن يكون مستقيما في عبادته غير مستقيم في معاملته لأن العبادة تدعو إلى حسن المعاملة ولا يمكن أن يكون مستقيما في تعامله مع الله وينحرف في تعامله مع المخلوقين وذلك لأن استقامته مع الله تعالى تقتضي لين الجانب لعباده, والاستقامة في الخلق, ولا يمكن أن يكون الإنسان مستقيما مؤديا لحقوق الأقربين مقصرا في حقوق الأبعدين فيكون على الصراط المستقيم.
من هنا كان المنهج الرباني متكاملا يكمل بعضه بعضا, من هنا كان من الواجب على الإنسان الاعتدال والتوسط في كل الأمور على الصراط المستقيم كما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري أنه جاء ثلاثة نفر إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه يسألون عن عبادته فلما أخبروا به تقالوها أي عدوها قليلة فقالوا: وأين نحن من رسول الله فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر¿ فقال أحدهم: إما أنا فأصوم النهار لا أفطر, وقال الثاني وأما أنا فأقوم الليل لا أرقد, وقال الثالث وأما أنا فاعتزل النساء فلا أتزوج فلما علم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيبا بين أصحابه فقال” ما بال أقوام يقولون كذا وكذا أما والله إني لأتقاكم وأخشاكم لله ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني”.
من هنا كان ديننا الإسلامي دين اليسر والتوسط والاعتدال في جميع الأمور فإذا أردنا الفلاح في الدنيا والآخرة فعلينا التمسك بما جاء في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
عضو البعثة الأزهرية