الحياء من الإيمان
الشيخ/ مصطفى محمد عبدالمجيد أبو سالم
إن شأن الأخلاق في ديننا الإسلامي عظيم فلقد بين الحبيب صلى الله عليه وسلم أن الغاية التي بعثت من أجلها هي الأخلاق حيث قال “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” وبين أن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا” وإن من الأخلاق الكريمة التي تميز بها ديننا الإسلامي خلق الحياء حيث قال عليه الصلاة والسلام ” إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء” .. والحياء قالوا في تعريفه انقباض النفس عن القبائح وقالوا هو خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق كل ذي حق.
وهذا الخلق بهذا المعنى قد جعله النبي صلى الله عليه وسلم علامة على الإيمان وأمارة على وجوده فقال ” الإيمان بضع وستون شعبة أو بضعة وسبعون أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الإيمان ” فالحياء دليل على وجود الإيمان ورفعه دليل على نقص الإيمان كما جاء في الحديث ” الحياء والإيمان قرناء جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر” والحياء من شأنه أنه يأتي بالخير ففي الحديث “الحياء لا يأتي إلا بخير”.. وفي رواية “الحياء خير كله” ولذا قال عليه الصلاة والسلام حينما مر على رجل يعظ أخاه في الحياء أي ينهاه عن كثرة الحياء ” دعه فإن الحياء من الإيمان” وإن العبد إذا رزق الحياء فإنه بذلك يكون قد رزق الفضائل ورزق الخلق الحميد وفي ذلك يقول العلامة ابن القيم: الحياء هو من أعظم الأخلاق وأكرمها ذلك لأنه مصدر الفضائل فالولد يبر بوالديه بسبب الحياء وصاحب الدار يكرم ضيفه بسبب الحياء والعبد يفي بالموعد بسبب الحياء أيضا ولذلك قال عليه الصلاة والسلام الحياء لا يأتي إلا بخير وقال “لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء” وعلى العكس من ذلك فإن العبد إذا نزع منه الحياء لم تره إلا ضعيفا بليدا لا يبالي بمشاعر الآخرين ليس عنده من رادع يمنعه من الوقوع في الإثم أو الوقوع في الدنايا لا يعرف ربا ولا دينا ولا يعرف عرفا ولا يعرف خلقا ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: “إن مما أدرك الناس من كلام النبوات الأولى إذا لم تستح فأصنع ما شئت” أي أن الإنسان إذا تعرى من الحياء فلا تسأل عما سيتصرفه من رذائل ولا تعجب مما سيرتكبه من حماقات وتصرفات فالحياء سياج منيع من الوقوع في المعاصي والمحرمات وهو علامة حياة القلب كما أن اقتراف القبائح والمحرمات دليل ذهاب الحياء ودليل موت القلب ولذا قال ابن القيم: “الحياء مشتق من الحياة فمن لا حياء فيه فهو ميت في الدنيا شقي في الآخرة”.
وإن المرء حينما يفقد الحياء فإنه ينحدر من سيئ إلى أسوأ ولا يزال يهوى حتى ينحدر إلى الدرك الأسفل ففي الحديث “إن الله إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا فإذا انتزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا فإذا لم تلقه إلا خائنا نزعت منه الرحمة فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعنا فإذا لم تلقه إلا رجيما ملعنا نزعت منه ربقة الإسلام”: ومن هنا بين الإسلام أن فاقد الحياء لا غيبة له ففي الحديث من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له” . وقال عمر بن الخطاب “ثلاثة لا غيبة لهم” المبتدع والفاسق المجاهر بفسقه والحاكم الظالم” فهؤلاء لا حرمة لهم لأنهم فقدوا الحياء فلأجل تلك المساوئ التي تنتج عن عدم الحياء اهتم الإسلام بهذا الخلق الكريم ودعا المسلم إلى التخلق به وأن أحق من نستحي منه إنما هو الله عز وجل فنحن نطعم من خيره ونعيش على أرضه ونستظل بسمائه فهو أحق من نستحي منه فلا نقصر في طاعته ولا في شكر نعمته فإذا كان الرجل يخجل من الإساءة إلى من أسدى إليه نعمة صغيرة فكيف لا يوجل الناس من الإساءة إلى ربهم الذي تغمرهم آلاؤه من المهد إلى اللحد فحق الله تعالى على عباده عظيم ولو قدروه حق قدره لسارعوا إلى الخيرات يفعلونها من تلقاء أنفسهم ولباعدوا عن السيئات خجلا من مقابلة الخير بالجحود والخسة وكذلك من الحياء أيضا الحياء من الناس فلا يكشف المسلم لهم عورة ولا يقصر لهم في حق ولا ينكر لهم معروفا وأن يعرف لأصحاب الحقوق حقوقهم كذلك من الحياء أيضا حياء العبد في نفسه فيحرص على أن تكون سمعته كريمة بيضاء ناصعة لا تمس بشائبة أبدا.
عضو البعثة الأزهرية باليمن