الجغرافيا الجديدة للعنف في كتاب “مدار الفوضى”

عرض/ خليل المعلمي


في ظل المخاوف التي يطلقها علماء البيئة عن الآثار المترتبة على تغير المناخ من موجات الجفاف وقلة الأمطار في مناطق مختلفة من العالم بينما تشهد مناطق أخرى موجات من الفيضانات وتطغي موجات التسونامي مناطق أخرى ربما يشهد العالم مستقبلا حرب المياه التي يتنبأ بها الكثير.
ويأتي كتاب “مدار الفوضى.. الجغرافيا السياسية لتغير المناخ” في أجزائه الأربعة الصادر عن سلسلة عالم المعرفة في أبريل الماضي للكاتب والصحافي الأمريكي كريستيان بارينتي وترجمه الدكتور سعد الدين خرفان كمحاولة من المؤلف لربط موضوع تغير المناخ بالصراع الاجتماعي والعنف السياسي اللذين يتميز بهما العالم اليوم حيث يقصد الكاتب بـ”مدار الفوضى” جغرافيا ذلك الحزام على طرفي خط الاستواء بين مدار السرطان ومدار الجدي والذي تشهد دوله صراعات عنيفة وحروبا أهلية وجريمة منظمة وهو المنطقة نفسها التي يضرب فيها تغير المناخ بقوة من خلال دورات الجفاف وتكرار الفيضانات.
ولا يعزو الكاتب هذه المشاكل كلها إلى تغير المناخ وحده لكنه يرى أنه أصبح عاملا رئيسا إضافة إلى العوامل الأخرى الموجودة مسبقا مثل إرث الحرب الباردة وتبني الاقتصاد الليبرالي الجديد فيما دعاه ثلاثية التجمع الكارثي للفقر والعنف وتغير المناخ.
يبدأ المؤلف بشرح تأثير تغير المناخ وذلك بعرض حادث مقتل راع من التوركانا في شمال كينيا اسمه لوكارنو نتيجة الصراع بين قبيلتين إحداهما تعمل في حرفة الرعي والأخرى تقوم بالإغارة عليها وقد أدى تغير المناخ في الساحل الأفريقي إلى ازدياد دورات الجفاف وتأخر هطول الأمطار ومجيئها على شكل فيضانات عارمة في بلد يعتمد على الزراعة والرعي وساعد على ذلك انتشار الأسلحة الخفيفة نتيجة الحروب والفوضى في كل من أوغندا والصومال.
ينتقل الكاتب بعد ذلك من شرق أفريقيا إلى أواسط آسيا حيث تدور صراعات عنيفة منذ عقود يرى الكاتب أن الأزمة بدأت في أفغانستان قبل الاجتياح الأمريكي وحتى قبل تدخل الاتحاد السوفيتي ومن ثم يعود بالأحداث إلى موجة الجفاف الشديد التي ضربت مقاطعة غور أيام الملك ظاهر شاه عام 1969م أدت هذه الأزمة إلى انقلاب في العام 1973م ومن ثم إلى الحكم الشيوعي وتدخل الاتحاد السوفيتي في العام 1979م ونتيجة للجفاف التي تعاني منه افغانستان في الوقت الحاضر فقد تحول المزارعون إلى زراعة نبات الخشاش لاستهلاكه سدس الكمية التي يستهلكها القمح.
ويتجلى أعظم صراع في آسيا بين الهند وباكستان القوتان النوويتان وذلك في الصراع على منطقة كشمير التي تعتبر منطقة استراتيجية تسيطر على جليديات جبال الهيمالايا وتتحكم هذه الجليديات بتدفق مياه الأنهار التي تنبع من هناك ومنها نهر السند الذي يروي أراضي البنجاب في باكستان ويعتبر شريان الحياة الرئيس فيها.
يقفز المؤلف بعد ذلك فوق المحيط الهادئ إلى أمريكا اللاتينية وهناك يطلعنا على مشهد البؤس المتمثل في ضواحي السكن العشوائي في المدن الرئيسية في البرازيل والمكسيك حيث يضطر المزارعون نتيجة موجات الجفاف للهجرة إلى المدن الرئيسية ولحياة البؤس التي يعيشونها تنشأ العصابات وأعمال العنف وانتشار المخدات.
يستخلص المؤلف في هذا الكتاب أن تغير المناخ أمر واقع حتى لو توقفنا عن إصدار غازات الدفيئة الآن ويبقى السؤال: يكف يحصل التكيف مع تغير المناخ في عالم الجنوب يحصل ذلك عن طريق هجرة السكان إلى المدن ومن هذه البلدان إلى عالم الشمال وبالتالي تنتشر الصراعات العرقية والطائفية وتقوم مكافحة التمرد هناك باستخدام العنف الشديد وتخريب النسيج الاجتماعي وبالتالي تتحول الكثير من هذه الدول إلى دول فاشلة أو شبه فاشلة وفي عالم الشمال يتخذ التكيف شكل قارب نجاة مسلح يتمثل هذا في تحصين الحدود وزيادة الإنفاق على الأمن وانتشار ثقافة كره الأجانب وتقليص الحريات المدنية وتطوير استراتيجية مكافحة تمرد تستخدم العنف والاستخبارات والوكلاء المحليين.
يقدم المؤلف الكثير من المعلومات الجديدة والمفيدة والمهمة وهو يربط بين الأحداث ببراعة مكنته منها مهمته بوصفه صحافيا وزياراته للعديد من الدول في القارات كلها ويؤكد ضرورة التخفيف الفوري لغازات الدفيئة باستخدام التقنيات النظيفة ويقع هذا على عاتق الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والصين ولأجل ذلك يجب أن توظف هذه الحكومات في شراء الطاقة النظيفة وتشجيعها ولديه نظرة إلى التكيف عن طريق تحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة ضمن كل دولة وبين دول الشمال والجنوب وضرورة إعطاء الدول دورا فعالا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

قد يعجبك ايضا