دعني أظن أني وجدت في ” ابنة سوسلوف” حل المعادلة
حوار / أحمد العرامي
■ بعض أعمالي صرخات هدفها التفاعل المباشر مع الحياة المعاصرة
أول مرة التقيت بحبيب أواخر العام المنصرم 2013م في مدينة القاهرة لقد كلفنا ذلك اختراق حظر التجول الذي فرضته السلطات المصرية.
يمكن أن تسمي ما قمنا به جنونا باللهجة العدنية _وهي تليق بحبيب كثيرا_ “روفلية”. سينطقها حبيب ونحن في مقهى بالدقي فأشم رائحة عدن في صوته لكنه حين يرد على الهاتف متكلما الفرنسية ستظهر شخصية الروائي والبروفسور ذي الثقافة الفرنسية لتتناسب مع شعره الأبيض الذي أتخيله يظلل صاحبه بينما يكتب بروح الشاب لينجز مشروعا روائيا يضيء عبره مناطق مظلمة في الوعي السردي مشرعا أبواب الرواية على عوالم شتى وثيمات متواشجة ما بين الاجتماعي والسياسي والمعرفي والفلسفي.
لحبيب منجزه السردي اللافت والذي ما زال يكبر بين الحين والآخر بينما أؤمن أنه ما زال بحاجة لأن يكون محل نقاش مستفاض وقراءة واسعة. تناسب تنوعه وتصغي إليه وهو يستغرق في تفاصيل الأمكنة والأزمنة والشخصيات والمعارف حتى لكأنه يكتب عن تفاصيله كتابة المتخصص وليس هذا الحوار الذي أنجزناه عبر الإنترنت سوى لفتة إلى بعض المناطق الصامتة لمحاولة استنطاقها وهو ما سيجيب عنه حبيب بإيجاز دون أن ينسى أن يضحكني وهو يقول “: حتى أنت عزيزي أحمد تراقب بشكل تلصصي..!! فأضحك وأتساءل لماذا لم يقلها بلهجته العدنية حتى أشم رائحة عدن مجددا¿!
أحمد: هل ترى أن الرواية اليمنية ما زالت مهمومة بالوظيفة الاجتماعية أو بتعبير آخر مشغولة بالأنساق الثقافية مثل نقد التابو حين تسيطر عليها ثيمات مثل (الجنس الدين السياسة) وهل ظاهرة مثل هذه هي امتداد لواقع ثقافي اجتماعي يفرض واقعية ما على الرواية¿ أم أنها مجرد إشكالية في المعالجة الروائية خصوصا حين ينشغل السرد بملابسات النسق الثقافي أكثر من الفضاءات الفنية¿
حبيب: لا أستطيع أن أعطي أحكام نقدية شاملة على تجربة الرواية اليمنية الحديثة لأني بكل بساطة لم أقرأ كل ما كتب منها.
لكنها تشق طريقها كما ألاحظ. ثمة مواهب عديدة ومحاولات متنامية للخوض في كل التيمات التي ذكرتها وغيرها تكتب دون إهمال الفضاء الفني ومتطلباته.
الواقع اليمني سيريالي فعلا مملوء بالمواد الخام الأدبية النادرة وهذا حظ استثنائي يمتلكه الروائي اليمني.
بالنسبة لي الأديب اليمني عموما مسكون بالمواهب الواعدة وأتوقع للراوية اليمنية ازدهارا ونجاحا متصاعدين…
أحمد: هل ترى أن وجودك خارج اليمن أثر على حضورك في المشهد الثقافي اليمني وكيف ترى حضورك في بلدان الوطن العربي مقارنة باليمن¿
حبيب: بالتأكيد وجودي خارج اليمن أثر على تجربتي الحياتية عموما. أكسبها أبعاد جديدة لم يكن لي امتلاكها لولا ذلك. لا أستطيع حاليا تقييم حضوري الروائي العربي ولا أحاول قياس ذلك.
لي اليوم هموم أخرى: أن أكتب كل ما أريد وأنوöع ما أكتبه. وتضطرم في رأسي حاليا مشاريع كثيرة لا أجد الوقت لكتابتها.
يهمني أيضا أن تقرأ أعمالي ليس اليوم فقط ولكن في السنوات القادمة أيضا.
لذلك ستجد أن بعض أعمالي صرخات هدفها التفاعل المباشر مع الحياة المعاصرة موجهة بأسلوب فني سهل مثل « طائر الخراب ».
لكن لبعضها موعد أبعد وأطول وأعمق مثل « تقرير الهدهد » التي وجدت صعوبة بنشرها أو بقبول البرامج التلفزيونية (التي وجهت لي دعوات) الحديث عنها لأسباب كثيرة منها أن أحد شخوصها الرئيسة (« الأعلى جدا ») سماء الأفكار. يشبه في رأيي إله أبي العلاء المعري (بطل الرواية) كما يبدو من موسوعته الشعرية: “اللزوميات”.
صحيح: تتطلب “تقرير الهدهد” من القارئ ثقافة أوسع قليلا من ثقافة قارئ « طائر الخراب » لكن لها ربما موعدا حيويآ قادما مع القارئ العربي أتمنى!
أحمد: تدور أحداث رواياتك في اليمن وأبطالها يمنيون حتى لو كانوا يحيون خارجه هل له علاقة بالهم الثقافي والانتماء¿ أم أن الأمر يتعلق بتشكل ذهنية الروائي وهويته بحيث يمكنه أن يستقي حياة رواياته وشخصياته من مجتمعه الذي تشكل فيه وليس من خارجه¿ وإذا صح هذا فكيف تؤثر إقامة الروائي خارج بلده هل فعلا يصبح معزولا عن السياق الروائي الذي من الممكن أن يشكل مادته الروائية أساسا¿ وهل يمكن أن نفسر المادة التاريخية تصبح في هذا الحالة بديلا¿¿
حبيب: لست ممحونا بهموم اليمن فقط: بعض رواياتي مثل « عرق الآلهة » و « تقرير الهدهد » تدور كلا خارج اليمن. البعض الآخر عميق الانتماء لليمن. وبعضها بدون مركز جغرافي مثل « أروى » التي تدور في ألف مكان ومكان.
أحاول عموما أن أظل عميق الانتماء لليمن وابن « الكوكب الأزرق » في نفس الوقت. أي: مواطن عالمي من اليمن.
في رأيي: ليست هناك وصفة محددة سلفا