ماذا يعني التوسع في زراعة القات.. وارتفاع مخالفات الحفر العشوائي¿
محمد العريقي

محمد العريقي –
رغم أن الأوضاع التي تشهدها البلاد تفرض التفاعل مع ما يؤدي إلى ترسيخ الأمن والاستقرار , ونبذ كل أعمال العنف والتخريب, والتفكير بحلول تسهم من التخفيف من معاناة المواطن .
لكني أجد نفسي مضطرا إلى أن أتطرق إلى موضوع مزدوج, هو أيضا يدخل في جوهر حياة المواطن, يهدد حاضره ومسار مستقبله .
الموضوع مستوحى من خبرين منفصلين نشرا مطلع هذا الأسبوع: الخبر الأول يشير إلى ارتفاع مساحة الأرض المزروعة بالقات, والخبر الثاني زيادة عدد مخالفات الحفر العشوائي للمياه الجوفية .
الخبر الأول مصدره وزارة الزراعة والري, والثاني الهيئة العامة للموارد المائية .
الترابط وثيق بين الخبرين, وكليهما يرسمان المشهد المفزع للأمن الغذائي والأمن المائي, ويشكلان معا مكونا كبيرا في إطار الأمن القومي للبلاد .
فارتفاع مساحة الأرض الزراعية لصالح القات, يعني هذا على المستوى الاستراتيجي تقليص المساحة الزراعية الخصبة التي كانت مخصصة لزراعة المحاصيل الزراعية المرتبطة بالغذاء, فاليمن تستورد ما يقارب 75% من احتياجاتها من الغذاء من الخارج , كما أن التوسع في زراعة القات, يعني الحاجة إلى مزيد من المياه الجوفية لري هذه الشجرة, على حساب الاحتياجات الأساسية للمياه وبالذات مياه الشرب, وللتنمية بمختلف أبعادها , في حين أن الأنسان اليمني يكابد الكثير في سبيل تأمين حاجياته من مياه الشرب في ظل محدودية الموارد المائية المتاحة بسبب الظروف الطبيعية, وزيادة سكانية, وعوامل أخرى سبق أن تناولها في أكثر من موضوع سابقا, فحصة الفرد اليمني لاتزيد عن 160 مترا مكعبا سنويا, في حين أن المعيار العالمي يعتبر أن أقل من ألف مترمكعب كنصيب للفرد يعد تحت خط الفقر المائي .
البيانات الإحصائية الصادرة من وزارة الزراعية أظهرت توسع زراعة القات في البلاد خلال السنوات الأخيرة الماضية إذ وصلت مساحة زراعته إلى 168 ألفا و772 هكتارا خلال العام الماضي, وبمعدل 4-6 آلاف هكتار سنويا طالت أودية وحقول خصبة تشتهر بزراعة أجود أنواع المحاصيل .
ارتفعت مساحة زراعة القات في اليمن كما تشير المصادر من عشرة الف هكتار عام 1970 إلى 167الف هكتار عام 2012م مايشكل حوالي 12% من الأراضي الصالحة للزراعة .
هذا الوضع بالتأكيد كان له انعكاسات خطيرة على الأمن المائي, فالموارد المائية في اليمن كماذكرنا مصادرها محدودة في ظل تذبذب هطول الأمطار وهي المصدر الرئيسي للمياه التي تكونت منها المياه الجوفية على مرالسنين, هي اليوم تستنزف بكميات هائلة لري القات بطريقة مسرفة , فالقات يستحوذ على اكثر من 60% من الموارد المائية في البلاد ( سطحية وجوفية ما يقارب النصف جوفية )
ولهذا فإن زراعة القات تكمن وراء كل عمليات الحفر العشوائي للمياه الجوفية, دون أي اعتبار لقانون المياه رقم 33 لعام 2002, فهناك ألاف الحفارات دخلت البلاد وأكثرها تعمل بدون ترخيص , ولذلك ارتفعت مخالفات الحفر العشوائي كما تشير الهيئة العامة للموارد المائية خلال شهر مايو وحتى 10 يونيو وفق البلاغات التي وصلت للهيئة والتي قدرت ب40 مخالفة في 6 محافظات فقط,
وتصدرت محافظة إب بنصف العدد المذكور تليها محافظات صنعاء وتعز والحديدة وحضرموت والمحويت.
أما إذا تطرقنا إلى الانعكاسات السلبية الأخرى جراء التوسع من زراعة القات, فإنها تطال أكثر من مجال وبالذات, الجوانب الاقتصادية, والصحية, والبيئية, والاجتماعية .
وحتى ونحن نعيش أزمة في المشتقات النفطية, فإن للقات دور في هذه المشكلة, فالتوسع في زراعته تسبب في زيادة الطلب على مادة الديزل, فكما هو معروف فإن ري القات يعتمد على المياه الجوفية, واستخراج هذه المياه من الآبار يتم من خلال مضخات تعمل بالديزل, ولكم أن تتخيلوا كميات الديزل الذي يستخدم لضخ المياه من حوالي أكثر من مائة الف بئر منتشره في عموم محافظات الجمهورية .
أما إذا وقفنا أمام التأثير السلبي على مستوى الاقتصاد الأسري, فإن اليمنيين ينفقون على القات ما يصل نسبته 35% من دخل الأسرة ويقدر إنفاق اليمنيين من متعاطي القات بأكثرمن 400 بليون ريال في السنة كما تشير الإحصائيات .
ولعل ما شجع على ذلك هو زيادة الطلب على هذه النبتة الخبيثة من قبل كل الفئات العمرية, وخاصة الشباب, وانتشرت الظاهرة في السنوات الأخيرة إلى مستوى الأطفال وبين أوساط النساء, وكلنا يعرف التأثير السلبي الاجتماعي والصحي والبيئي, على السكان والأرض الزراعية .
الحديث في هذه القضية بقدر ما هو كبير وواسع, إلا انه في نفس الوقت حزين ومقلق, أمام هذا الاستخفاف, على المستوى الفردي والأسري, والجمعي, لأن المعالجات والتصدي لهذه المشكلة الخطيرة لم ترتق إلى درجة الإحساس بمسؤولية الحاضر والمستقبل.