الحاجة إلى الاستقرار

عبدالرحمن مراد

مقالة


إدارة الصراعات من أصعب المهام على الإطلاق والسياسة هي فن إدارة الصراعات واقتناص الفرص والصناعة – أقصد صناعة الزعامات والبطولات والأمجاد – وتبدو السياسة في الحالة اليمنية غريبة الأطوار والغايات فالفرقاء لا ينتمون إلى وطن وإنما ينتمون إلى أيديولوجيات ويهددون استقرار اليمن لا لغايات وطنية ومصالح يمنية محضة ولكن لغايات ومقاصد ومصالح الولاءات الإقليمية وغير الإقليمية ومثلما تبدو اليمن غريبة في تفاعلات أبنائها يبدو الرئيس أكثر معاناة وكبدا بين قطيع متصارع يبحث عن وجوده وتفرده على السيطرة على اللحظة السياسية الجديدة.
وأكاد أرى الرئيس كلما حاول أن يعالج جرحا جد له في مكان آخر جرح فما كاد الشعب يلتقط أنفاسه وهو يعيش نشوة الانتصار في الحرب على الإرهاب حتى انفجر الوضع في عمران وكاد أن يكون كارثيا لأنه واقع تحت سيطرة ثلاثة مسارات وهي: (المسار الاجتماعي والثأر السياسي والمسار الطائفي) ولكل مسار من تلك المسارات امتدادات جغرافية قد تعم جزءا واسعا في اليمن وتترك أثرا مدمرا في البناءات النفسية والاجتماعية والثقافية وقد يحدث الانقسام في كل تلك البناءات وحينها فقط قد يتسع الرقع على الراقع ولولا جنوح الرئيس إلى السلم (وقد حمل ذلك الجنوح شعورا عاليا بالمسؤولية) لأصبحت اليمن في أتون حرب أهلية غير محمودة العواقب تمزق اليمن وتدخله في مربع الصوملة.
لا أظن أن القوى السياسية الفاعلة في كل الأحداث الوطنية تشعر بالمسؤولية الوطنية لأنها حشرت نفسها على ما يبدو في مربع الذاتية والنفعية الخاصة وتحاول ابتزاز الرئيس ولا تقدر خطورة الوضع على السلم العام وعلى الاستقرار وعلى الوحدة الوطنية وكأنهم لا يدركون أن اليمن تمر بأصعب مرحلة تحول في تاريخها ولا يمكنها الانتصار لذاتها وتحقيق كيانها الاجتماعي والوطني والسياسي في ظل حالة التشظى والانقسامات وتباين الرؤى والمواقف واستمرار سلسلة الصراعات الدامية في ظل غياب كامل للرؤى التنافسية ومشاريع النهوض ومعالجة الاختلالات الأمنية والاقتصادية وسؤال جودة الأداء في المؤسسات الحكومية وصناعة الضرورات التي تهيئ المناخات للقرار السياسي في التفاعل والتحديث والانتقال وفي ظني أن اليمن وصلت إلى مرحلة يفترض فيها الاصطفاف وتحقيق الإجماع الوطني والاستقرار من أجل التفكير والتهيئة لليمن الاتحادي الجديد بروح أكثر تفاعلا وتطلعا للبناء والتنمية وتحقيق النهضة ولعل شكل الدولة القادم يجعل الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة أمام سؤاله الحيوي والهام فالأجدر بها أن تترك للرئيس حرية إدارة الدولة بحكومة كفاءات وطنية وتنصرف تلك الأحزاب والقوى السياسية إلى ترتيب وضعها التنظيمي وصياغة مشروعها السياسي التنافسي وترتيب وضعها الجماهيري التفاعلي فالزمن الجديد لم يعد زمن وجاهات ولا زمن مراكز نفوذ وشراء ذمم وأصوات والذين يظنون أن استمرارهم في السلطة سيحقق لهم مكاسب سياسية قد وقعوا في الوهم وقضوا على آخر خيوطهم في الاستمرار في تفاصيل اللعبة السياسية اليمنية لأن الوضع اليمني بالضرورة لا يشكل مكسبا سياسيا لأي طرف سياسي يستمر فيه بل ليشكل خسرانا مبينا والذين فقدوا جزءا وافرا من جماهيريتهم بإمكانهم استعادتها بالموقف الوطني المبرر والمنحاز إلى الشعب لا بالبيانات الجوفاء التي تنفي الصلة والانتماء كما حدث ويحدث فقد قرأنا في الصحف أن المؤتمر يقول أن (فلان وزعطان) لا يمثلانه وقرأنا أن الإصلاح قال نفس التصريح وجاء حزب البعث في بيانه الأخير يقول أن ممثله في الحكومة لم يعد يمثل الحزب وأمام مثل ذلك التذبذب في الموقف ألم يكن من الأجدر تنفيذ بنود مؤتمر الحوار الوطني والتي تنص على تفويض الرئيس في تشكيل الحكومة القادمة بحيث يحدث التناغم والانسجام بين أعضائها وتتمكن من وضع المعالجات والتهيئة للخروج بعيدا عن روح المناكفات والصراع والابتزاز وقواعد الإفشال والتعطيل التي أصبحت ظواهر بارزة في سماء المشهد السياسي اليمني في ظل حكومة التوافق الوطني.
وفي ظني أن قرارات ومخرجات مؤتمر الحوار أكثر إلزاما من المبادرة الخليجية وقد انتهت شرعية حكومة الوفاق بمجرد التوافق على بند تفويض الرئيس في تشكيل حكومة جديدة تعمل للوطن لا للأحزاب وتحقق الاستقرار لا الانقسام وتعمل على تهيئة المناخات للانتقال إلى الدولة الاتحادية الجديدة وتعطيل مثل هذا المخرج قد ينذر بتعطيل كل المخرجات ولذلك كم نتمنى على الأحزاب الوطنية وأخص الحزبين الأكثر وجودا وفاعلية أن يعلنا على الملأ تفاعلهم مع مخرجات الحوار الوطني والحاجة الوطنية الملحة إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية ويفوضا الرئيس في تشكيل حكومة ذات مهام محددة وسقف زمني معلوم وبحيث تتفرغ الأحزاب لقضاياها الخاصة وترتيب وضعها حتى تكون قادرة على التفاعل مع الواقع اليمني الجديد.
وطالما ذهب اليمنيون إلى خيار الحوار لحل مشاكلهم بد

قد يعجبك ايضا