في رواية ” الثائر”

محمد يوب*

في عتبة العنوان
إن العنوان في أي عمل أدبي يمثل في أحد مستوياته استباقا سرديا يكثف محتوى ودلالات النصوفي مجال التلقي يوجه القارئ إلى القراءة المحددة التي يتغيؤها الكاتبلأنه يتخذ كمنطلق أساسي افتراض القارئ الذي يريدو الروائي محمد الغربي عمران يريد قارئا متتبعا لتاريخ اليمن السياسي في فترة زمنية محددة هي فترة الثورة على الإمامة من أجل تغيير النظام من الإمامة إلى الجمهورية.
ففي هذا العنوان “الثائر” استطاع الروائي توجيه القارئ إلى أهمية الفضاء الروائي الذي تدور فيه الأحداثوهو سجن الرادع وصنعاء وما تعرضت له من حصار وقدرة الثوار على فكه بمساعدة من ثوار عرب من مصر و العراق وسوريا..
وعلى صفحة الغلاف تبدو للقارئ ملامح بشرية ثنائية التركيب بين ملامح الرجل وملامح المرأة وهما وجهان لشخصية واحدة هي شخصية الثائرالملثمالذي عرف في آخر الرواية بقمر البطل الذي فقد يده اليمنى من أجل الثورةولعل لليد اليمنى حقلها التداولي العميق الذي يدل على استغناء البطل عن تيار اليمين المحافظ و الاحتفاظ باليسار الثوري.
إضافة إلى ذلك إن العنوان بكراكتيريته العريضة العملاقة التي توحي للقارئ بقوة الثائر وعظمته لهيمنته على جزء كبير من مساحة الغلاف مما زاد من قوة الثائرو اللون الأحمر الدموي الدال على فورة البطل وثورتهكما أن اللون الأسود الداكن الغالب على الغلاف لدليل على انسداد الرؤية وعتمة المستقبل.
2- في صلب الرواية
تشكل البنية السياسية والاجتماعية في اليمن في مرحلة من مراحل تكوين الدولة الثائرة على نظام الولاية المرجع الذي يبني من خلاله محمد الغربي عمران عالم روايته “الثائر” هذا العالم الذي جسد مجموعة من العلاقات و الأحداث التراجيديةو الآلام و الآمال في تلك الفترة التاريخية التي شهدت بداية المد الثوري في اليمن وتشكل المقاومة الشعبية ضد نظام الحكم الملكي المهترئ.
و الروائي محمد الغربي عمران لا يتعامل في هذه الرواية مع التاريخ بصفته مقصودا لذاته بقدر ما يسترجعه كخلفية للأحداث التي يرصد من خلالها نمو وتكون شخصية البطل “قمر” الذي قدم له في مستهل الرواية ب”الملثم” وهو الشخصية الرئيسية الممثلة التي تعتبر مركز التبئير ومحور الاستقطاب في الرواية من أولها إلى آخرها.
وهو الثائر الذي فر من “سجن الرادع” بعدما تمت تصفية جل رفقائه في السجنوقد نجح في الهروب عندما انسل من بين السجناء وقطع المقبرة القريبة من السجن متوجها إلى “سمسرة الحاج وردة” وهي فندق قديمكان يختبئ فيه البطل/الملثم ومن حين لآخر يخرج متنكرا في زي مزركش لامرأة جميلةمن أجل قتل أعداء الوطنيين “أقسم أن يقتص منهم واحدا واحدا” حيث انسل في البداية إلى غرفة المستشفى التي يتعالج فيها “المسوري” شاوس سجن الرادع وقطع أنفاسه بخيط حذائهثم بعد ذلك قتل الجلاد وشيخ البلاد و الدويران و الأعمش وكل أعداء الثورة “يعرف خارطة المبنى جيدااستعرض محتويات الغرفثم تسلل إلى مكتب حامل السوط….” لتنتهي الرواية بعكس ما ينتظره القارئ حيث إنه أثناء تكريم الثوار و المقاومين تفاجأ قمر بأن كل هذه الشخصيات التي صفاها وقضى عليها هي التي تجلس على منصة المسؤولية وهي التي تقود البلاد بعد أن استقرت الأوضاعفي إشارة من السارد إلى أن المنتفع من الثورة دائما هم الخونة الذين يقفزون على السلطة بمجرد ما تنتهي الثورة.
من خلال الشخصة الرئيسية في الرواية “الملثم” بمحيطه الاجتماعي وبحمولته السياسيةنستطيع التعرف على الشخصيات الأخرى المؤثثة لفضاء الروايةعلى اعتبار أن له علاقات واسعة مع شخصيات وازنة في البلد وخاصة مع القاضي الذي يعتقد أعداء الثورة هو من ساعده على تسلق المناصبإلى أن يصبح مديرا عاما في وزارة المعارففكان لابد من التبليغ عنه و الوشاية بهمما دفعه إلى تحمل كل الاهانات وكل أشكال التعذيب إلى أن فر من السجنوتعرف على شخصيات أخرى ساهمت في بناء الروايةكشخصية الوجه العظمي و الشاعر والحاج وردة وابنته التي أغرمت بقمر.
مع هذه الشخصيات ومن خلالها استطعنا أن نعيش مع الأحداث ونعيد اكتشاف الأحداث المروية التي يتداخل فيها الواقع بالمتخيلو الخاص بالعامو الفردي بالنموذجيواستطعنا أن نطلع عن قرب عن كيفية صناعة التاريخ الذهبي للمتسلقين المدعين للوطنيةناسين أو متناسين الصناع الحقيقيين للتاريخ المأساوي الذي سطره البسطاء الذين تفاعلوا بشكل عفوي مع الحركات الثورية و السياسية.
واستطعنا كذلك التعرف على الزمان و المكان الذي جرت فيه أحداث الروايةعلى اعتبار أنهما يشكلان وحدة مترابطة في العمل الروائيتقوم على التأثير المتبادل بين طرفيهمافالزمان يتكشف في المكان بوصفه البعد الرابع لهو المكان يدرك ويقاس بالزمان كما قال ميخائيل باختينوتتجلى هذه الوحدة المترابطة في رواية “الثائر” من خلال التركيز على شخصية “الملثم ” المحورية في مرحلة زمنية محددة وهي مرحلة الثور

قد يعجبك ايضا