غبار الطباشير
محمد المساح

تأخذنا الدنيا في الزحام ونضيع نركب الحافلات ونهبط في المحطات نركض في الشوارع ونسير خبب في الزقاقات الضيقة.
تتراشق العيون بعيدان البصر على الوجوه ثم تنزلق النفس إلى الأعماق وحيدة كم تطول مشاوير العمر في بداية الطريق وفي نهاية المشوار ونحن نأخذ النفس يأخذنا العجب..
إنها المحطة الأولى التي غادرتها الأقدام وتركت ظلالها المنسية تساؤلات تفالتت كبعار السدر في الغيم والضباب تفرش الذاكرة أوراقها على الرصيف على اعتبار الجرد الدوري ليست الريح ولا هبوب العاصفة من تذري تلك الأوراق في الفضاء هي الأوراق ذاتها تتحلل رمادا تطير نعومته في الهواء كأجنحة فراشة وقت ملامستها الأصابع.. تلك الألوان البهيجة وذلك الألق المسحور في تشنجات الروح وتجليات القلب فرحا.. الدرس الأول لحروف أبجد هوز يمحيها المعلم بالممسحة السوداء..
يقلبها على الكف وينفث بنفخة واحدة.. يطير بددا.. غبار الطباشير ويستوي الصمت ملكا غير متوج يأخذ كل واحد من الجمع شأنه الخاص ويرحل في مدارج النفس وحيدا.. يسائل نفسه غرابة الدنيا وغموضها البديع وجرحها المدمي الذي ما ينفك يلتئم حتى تلامسه نسمة ريح خفيفة فيعاود النزيف.. على ضفاف الحزن يعبرون وفي بحيرة الدموع يغتسلون يخرج القلب على الضفاف مرتعشا من الصقيع يتأمل عين الشمس الغائبة خلف الغيوم تنظر العين باحثة عن الظل عن نجوم تكون الأزمنة في استواءات أخرى تدور في مساراتها العكسية يذهب الغيم وتصحو تكون الشمس قد أفلت في الجانب الآخر من الكون وتظل الجاذبية وحدها تلك الفاتنة التي لا تبصرها العيون كبندول الساعة تأخذنا إلى الزحام المنفلت زمامه وتعيدنا إلى الأطراف الراكضة من جديد وفي ضجيج الزحام يفلت الكلام ويعود للنسيان حضوره المجيد.. نعبر الدرب مسرعين شيء ما يركض بعدنا فتبتلعنا الطريق.