شعب 22 مايو. “على الحب نحيا ويحيا الوطن”

محمد محمد إبراهيم


كل شيء على ما يرام لا مجال للكدر والمنغصات والوجع الخاص والعام حتى لو أن فانوسه القروي يذوي على مشارف أزمة الكيروسين المستخدم للإضاءة في عموم أرياف اليمن.. كل ما في الأمر أن المساء يبتهج بالألعاب النارية التي تغازل النجوم من سفح كل جبل.. والمذياع يبث روحا من صوت موحد اليمنيين فنا ووجدانا وانتماء وطنيا أيوب طارش عبسي, الذي يردد بحنجرة ملؤها البكاء ليس حزنا بل فرحا وغبطة:
( أيا وحدة الشعب حلم السنين
ويا قöبúلة الحب للعاشقين
أطلت على الأفق شمس لنا
تضيء الدروب وتمضي بنا
لنطوي المسافات عبúر الزمنú
لمن .. ¿ لمن .. ¿
لأجل اليمن).
كان ذلك القروي في أوج راحته ونشوته الوطنية رغم بصيص الضوء الذي بجهد كبير ينير مجلسه –حيث يقضي الشوط الثاني من مجلس القات مع جيرانه وأصدقائه– بينما أصوات الأطفال من الخارج تحمل للمجلس تباشير طقوس الاحتفالات الوحدوية التي تتهادى أضواؤها من قمم الجبال وسفوحها وضفاف الأودية.. نيران تشتعل بشره عجيب يحيي الليل من موات الظلام وألعاب نارية تزين سماوات القبöل والاتجاهات..
الوجوه مسفرة والصمت يكاد يملأ الأرض فرحا كرت الدموع في المحاجر حاول صبر الجميع التهامها إو إيقافها بتبادل ابتسامات تشع إنسانية.. لقد نجح صوت أيوب في التوغل إلى رابط النبض الإنساني لكل مستمع في المجلس وهو يشب الروح في كلمات الشاعر اليمني الكبير أحمد الجابري مكررا:
( فعيدي لنا مجد أسلافنا
وشدöي النجوم وسيري بنا
على الغيم تحت رفيف المنى
وثر الينابيع في أرضنا
على الحب نحيا ويحيا الوطن
لمن .. ¿ لمن.. ¿
لأجل اليمن.. ).
هذا الجو ليس في الريف فقط بل في الحضر في السواحل حتى على مراكب الصيادين في البحار والرعاة في المراعي فكل يغلب الألم ليعيش الفرح حسب الممكن والمتاح حتى في داخل كهوف سقطرى ومعلقات إريان وشوامخ ريمة من الحصون والقرى المتناثرة وعشش التهائم ووادي الجاح.. إنها وحدة الروح اليمنية والبهجة الأصيلة التي لا ولن تغادر وجدان كل يمني مهما كانت الظروف والأزمات حتى وإن اعترك الزحام على المحطات في طوابير موجعة تعكس لكل عابر عربي أو أجنبي رسالة مفادها : “أن حياة اليمنيين توقفت في سرب البحث عن مشتقات نفطية (ديزل – مازوت – بترول- كروسين) ولم يعد في بقايا حياتهم ما يفúرöح”..
هذا فقط ما يتعلق بالأزمة المتصلة بحياة الإنسان اليومية التي طال أمد مكوثها على صدر المواطن.. أما لو قرأ بتأن ما تشهده اليمن من حرب مصيرية مع عدو الدين والوطن والإنسانية وما تشهده اليمن من تحديات اقتصادية فرضت ألمها على حياة الإنسان اليومية في جو محكوم بتجاذبات مشهد سياسي توه المجتمع الذي بقي متمسكا بخيط الأمل في انجلاء ظلام هذه الأزمات وسيبقى الأمل وأن استحكمت أزمات جديدة تأتي على طريقة : “كل الإجراءات والإصلاحات السعرية تؤدي إلى المواطن الغلبان” وإن بدأت عملية رفع المؤشر السعري بالشركات والمصانع والقطاع التجاري فهو يعكس الـ 50 ريالا بـ 200 ريال على المواطن..
بالتأكيد ستصدمه دهشة المفارقة بين واقع الموت السريري الذي يعيشه الشعب وبين صدور أبنائه المكتظة بالفرح والأمل كما يكتظ تاريخ صنعاء بخلد السعادة واحتمالات الغيث الغيبي في ذروة الموت وغبن غدره المرير- حسب توصيف البردوني- :
(ماتت بصندوق وضاح بلا ثمــــــن
ولم يمت في حشاها العشق والطرب).
إنه شريان الفرح ونسق البهجة وإيمان اليقين المتصل بالأمل في نفوس اليمنيين في كل مكان وفي كل حال.. فتأمل جيدا ما شهدته اليمن من مشاهد الفرح ودلالات البهجة في العاصمة صنعاء وفي عواصم المحافظات والمديريات وفي البعثات الدبلوماسية الجاليات في الخارج بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين للوحدة اليمنية المباركة التي تحققت في الثاني والعشرين من مايو 1990..
إنه الشعب اليمني لا تنتصر فيه الأحزان والمآسي والآلام ولا يموت فيه الفرح ولا تذبل فيه ورود المحبة ولا تنطفيء مشاعل الآمال والأحلام المغايرة للإحباطات..

قد يعجبك ايضا