الثالوث المعيق للتنمية
محمد العريقي

صحيح أن بلادنا تكتنز إمكانيات كبيرة ولديها مقومات للنهوض ولكن من الصعب أن يحدث التقدم المنشود والسريع في ظل تحالف ثلاثي يفرض نفسه على المشهد الراهن, والمتمثل بـ: أولا الجماعات المسلحة, وثانيا الفساد, وثالثا الجهل المعشعش في عقول الكثير من سكان البلاد .
تحت هذه الملامح الثلاثة يمكن أن تضع العشرات من العوامل الأخرى, ولكنني هنا حاولت اختزالها في أبعاد ثلاثة, تاركا للقارئ الفطين, القيام بعصف ذهني لاستحضار الكثير من المعوقات الأخرى.
واختزالنا للمشاكل المستعصية والعويصة بالثلاثة العوامل التي أشرنا إليها, لأنها قريبة إلى الواقع أكثر, ولا يستطيع أحد أن ينكرها أو يتغافل عنها وهو ما ينبغي التركيز عليها ووضع الحلول العاجلة والطويلة الأجل لمكافحتها والحد من خطورتها.
فالصراعات والنزاعات المسلحة كلفت وتكلف الدولة مليارات الدولارات, ويكفي أن نشير إلى الحروب التي حدثت خلال السنوات القريبة الماضية, مثل حروب صعدة الستة, والحروب التي تشنها الدولة على القاعدة في جنوب وشرق البلاد, وتداعيات حرب 94م, والأحداث التي شهدتها العديد من المدن والمناطق اليمنية منذ عام 2011م وحتى الآن, فأهدرت الكثير من أرواح الجنود والمواطنين التي لا تعوض وتركت الحزن والألم في نفوس أسرهم وكل اليمنيين, وهناك مئات الجرحى والمصابين وآلاف النازحين والمشردين واستنزاف الكثير من الأموال, بأشكال متعددة, والتي تفتح خزائن الدولة في مثل هذه الظروف دون مراجعة أو حساب تحت مبرر( تمويل الحرب لمواجهة الخطر) ناهيك عن الخسائر الناجمة عن تدمير المنشآت الخدمية العامة والخاصة والمنازل والمزارع وغير ذلك من مظاهر الحياة الأخرى, وكل ذلك يتبعه المطالبة السريعة بحل المشاكل التي أحدثتها هذه الحروب والصراعات, وإنشاء مرافق خدمية جديدة, وتعويضات, بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة التي يتحملها الوطن بسبب عبث المخربين الذين يعتدون على أنابيب ضخ النفط, وعلى أبراج الكهرباء, وكذا الذين يتقطعون في الطرقات, محصلة كل ذلك, خسائر بعشرات مليارات الدولارات في حين أن البلاد تبحث عن مساعدات لتمضي بأبسط مكونات التنمية وضمان الاستقرار, ولكن الشيطان الرابض بعقول مثل هؤلاء جعلهم يقومون بكل ذلك والنتيجة خسائر ليس لها أي مردود سواء الحزن والفقر, والتخلف.
وهناك أيضا الفساد, الذي أصبح عند البعض ثقافة متوارثة, وموضة يسعى الكثير من أصحاب الضمائر الميتة أن ينشروها على أوسع نطاق, وينصبون لها قواعد من التحالفات, فاتجهوا إلى نهب الكثير من الموارد, ومدوا شبكات لضخ جزء كبير من إمكانيات البلاد لمصالحهم الخاصة على حساب حياة المواطن العادي, وهذه ليست بخافية على أحد, وشواهدها بارزة للعيان .
ويأتي الجهل فيستكمل ملمح التحالف الثلاثي المعيق للتنمية .
فالجهل يكلف الكثير والكثير, فهو الذي يجعل من المؤشرين السابقين أكثر اتساعا وتأثيرا بالواقع الاجتماعي, ومن ناحية ثانية هو مركز البؤس والتعاسة التي يعيشها المواطن اليمني .
فالعديد من الممارسات الضارة التي تجعل الشخص في دائرة التخلف سببها الجهل, ليس الجهل بالقراءة والكتابة, بل الجهل العقلي, وهشاشة التفكير فيبدو الإنسان وكأنه يدمر نفسه بكل بساطة, وما ظاهرة تعاطي القات إلا شاهد حي على ذلك الجهل السائد العابث بالصحة, والموارد المائية, وبالنظر أيضا إلى الأسرة اليمنية التي يصل متوسط عدد أفرادها أكثر من عشرة أشخاص ينكشف أيضا عمق جهل الكثير من الأسر واستهتارها بأحقية أن يعيش أفرادها في ظل كرامة وحقوق مصانة, لو كان هناك توجه حقيقي لتنظيم الأسرة الذي يفضي لضبط النمو السكاني على مستوى البلاد .
وفوق ذلك كله تلاشت قيم العمل والمثابرة, فليس للجهد والإتقان المكان المرموق في التقييم الذي يحدد على ضوئه معايير الثواب والعقاب.
هذه بعض ملامح مشاكلنا التي تعيق التنمية, معرفتنا بظواهرها وأسبابها وخطورتها, تحتم علينا وبصورة سريعة, (ومهما استمر المستفزون التمسك بها) مواجهتها بالدولة القوية القادرة, وبناء المجتمع المدني المتحضر, واقتحام أوكار الجهل بالعلم والتعليم .