الحياة داخل صورة..لكنها تذكارية!!
المقالح عبدالكريم

ما إن تختارنا الأقدار ونأتي إلى الدنيا حتى يبدأ كل واحد فينا رحلته الخاصة به في مسار يطول أو يقصر خلاله وما إن نمتلك ذواتنا حتى ندوزن الحياة وفق محدöدات جمة منها: شخصيتنا وعينا بما حولنا إدراكنا لما كان ويكون منظومة القöيم والعادات الموروثة والمعاشة كل ذلك يجري على طريقة النهر المنساب من منبعه إلى مصبöه ملايين القطرات تتداخل مع بعضها البعض تتقلب تتهاوى تتعالى تنحرف يمينا تنجرف يسارا تلامس السطح تتدحرج على القاع إلى أن يصل الأمر إلى نهايته ويذوي كل شيء!
إنها رحلة يقطعها الإنسان بين نقطتين : «المهد» و«اللحد» قد تلوح قصيرة وقد تبدو طويلة لكنها في كلö الأحوال زاخرة الرصيد بöعد متفاوت الكم من الخبرات والمهارات والتجارب التي يتحصل عليها المرء خلال مشواره الحياتي المجمل بما لا يحصى من اللحظات المعاشة : فرائحية حزائنية ألم وأمل غايات محققة وخيبات مرار المذاق إنها الذكريات في آخر المطاف التي قد تكون فردوسنا الذي لا يستطيع أحد أن يطردنا منه أو جحيم لا يمكن إنقاذنا من نيöره اللهاب لكن وكلما تقدم بنا العمر وجدنا أنفسنا بوعي أو بلا وعي نردöد مع “ويلا كاثر” : «ما كان احتماله صعب تصير ذكراه عذبة».
وهكذا فإن محصöلة مجموع محطات حياة هذا الإنسان أو ذاك هو عدد معين من اللحظات المعاشة التي لمحدودية قدرة الجسم البشري تنسى الكثير من التفاصيل مثل الكلمات سواء تلك التي سمعها أو قرأها إضافة إلى شيخوخة الذاكرة بكلö مخزونها وتلاشي ذلك الكم تدريجيا ولعل آخر ما يختفي من الذاكرة هو الصور على اختلافها سواء صور بشر أو أماكن أو كائنات.
ومع تقدم العمر وتناقص قوة الذاكرة يزداد الإنسان رغبة جامحة في استعادة تلك اللحظات المميزة بغية عيش الحميمية من جديد ولعل أمنية كهذه لا تتحقق فعلا إلا بالعودة إلى الزمن ومن ثم اختيار اللحظة المناسبة لعيشها مجددا وذلك لا يكون إلا بتصفح ألبوم العائلة الذي تتفجر من صفحاته لحظات كانت من خلال الصور الفوتوغرافية التي تم التقاطها في فترات ومحطات قديمة من عمر صاحبها.
من اللون إلى الضوء
كان خريفا مميزا في العام 1839م حيث سجل التاريخ ظهور أول صورة فوتوغرافية على كوكب الأرض الأمر الذي شكل منعطفا هاما وكبيرا ومؤثöرا على مستويات عدة أولها التوثيق الذي شهد تحولا عظيما في مساره المعروف حتى ذلك التاريخ فكاميرا تصوير فوتوغرافي حدث ضخم لا يتوقف عند اختراع آخر جديد مبهر بل كان يعني ويشير ويدل على كثير الكثير :
1- سرعة إنجاز كمöية غير محدودة من الصور.
2- الدقة والحيادية في نقل صور البشر والمناظر بأقلö قدر من تدخل عواطف المصوöر.
3- دخول مفهوم الرسم في اتöجاه جديد إضافة إلى انقلاب معظم مفاهيم الفن التشكيلي وتعدد مدارسه.
4- على صعيد التنافس الاستعماري بين الدول العظمى عملت الصور الفوتوغرافية على احتدام وتزايد ذلك الصراع حيث شكلت الصور الأولى لـ «عدن» والجزائر والإسكندرية بداية لسباق محموم ومثير وكبير في المطامع الاستعمارية لتوسيع نطاق المستعمرات عن طريق الاحتلال العسكري.
5- بالنسبة للتوثيق فقد دخل طورا جديدا وهاما بحيث تميزت الصورة/الوثيقة بعدة مميöزات مثل كونها ذات تفاصيل واضحة وأنها دقيقة التوصيل إضافة إلى عدم التفاوت بين اللقطات المنجزة لمشهد واحد وذلك لعدم الاعتماد على مهارة الرسام الفنöية في نقل تفاصيل الموضوع المصور.
اللحظة المطلقة
الصورة الفوتوغرافية – كما يرى”عبدالمنعم الباز” – هي الإمساك بشيء وتثبيته على قطعة ورق سواء كان لحظة نادرة أو حتى حائطا قديما «فأمام سطوة الزمن الذي يزيل الأشياء لا تجد الذاكرة تعويذة أفضل من الصور» وهكذا ما إن يذهب الإنسان مدفوعا بشوقه إلى ألبوم الصور الخاص به حتى يدخل فضاء مغايرا لراهن لحظته المعاشة إن الأمر أشبه بالذهاب إلى الماضي بواسطة آلة زمن خارقة المواصفات تحط بنا في مدار كان عشناه كنا فيه وكان لنا وهو – وإن كان سحريا ولو بمدلول معنوي – دليل يشهد وبرهان يؤكöد على مدى قوة الصورة الآتية والمنبثقة من «حضورها لا رؤيتها» حس