لماذا لا يستثمر اليمنيون في (الكتاب)¿
فتحي الشرماني

بإمكان رأس المال اليمني أن يستثمر في المعرفة ونشر الكتاب, وبإمكانه لو أراد أن يؤسس لسوق معرفية تتفاعل مع غيرها من الأسواق العربية وغير العربية, لاسيما أننا اليوم نعيش سقوط المركزية المعرفية والأكاديمية التي كانت موجودة في القرن الماضي.
مجتمع الثقافة في اليمن لديه اليوم ما يمكن أن ينافس به ويثبت به جدارته ونشاطه, ثم إن لدينا اليوم جامعات ومراكز تمتلئ بالعقول والأقسام العلمية التي يمكن تنشيطها لإنتاج معرفة لها طابعها الخاص وملامحها المميزة, وهذا سيتحقق إذا وعت الجهات الثقافية الرسمية ضرورة وجود الاستراتيجيات والخطط والبرامج الجادة لتكوين مجتمع صناعة المعرفة الذي تواكبه في المقابل حركة نشر غير معزولة عن العالم, تطرح أمام القارئ العربي رؤى وأفكارا وهوية معرفية يمنية تفرض نفسها بقوة في المعارض السنوية للكتب, والفرصة الآن مواتية أكثر من أي وقت آخر لأن حركة نشر الكتاب الثقافي والعلمي العربي تعيش اليوم حالة صقيع شديد وحالة ذهول أمام ما يعتمل على الساحة السياسية من صراعات نجحت في تسييس المثقف بدل أن يعمل المثقفون على تثقيف ما هو سياسي.
مشكلتنا اليوم أن صفحات الجرائد تحولت إلى قالب كبير تنتهي عنده مختلف الأفكار والرؤى والمشاريع الثقافية التي تنتجها العقول اليمنية .. يبدو كأن (الفكرة) تتعرض للوأد حين تتقزم في ومضة أو خاطرة لتتلاءم مع عملية التلقي لدى جمهور الإعلام, ثم جاءت ثقافة الصورة في الإعلام الجديد, متبوعة بتغريدات مواقع التواصل الاجتماعي فتغيرت مفاهيم التثقف والمثاقفة مما أسلم ثقافة النظرية والعمل الاستقصائي المتكامل والمنهج العلمي إلى حالة من الاعتلال والندرة.
لذا فالمثقف اليمني اليوم معني بإقامة مشروع صناعة المعرفة الذي سينقل الجامعات ودور الثقافة إلى عهد جديد من التطور والنهوض وتحسين المخرجات التعليمية, ولكن في المقابل لا بد من أن يكون رأس المال معنيا بالتأسيس لحركة نشر منافسة تستغل حالة الوهن التي أصابت بعض دور النشر العربية التي تطوف المعارض الدولية بعناوين للاستهلاك أو بأفكار تكرر نفسها أو هناك من يسرقها ليكررها, مع خلو هذه المكتبات من الكتب التي لها أثرها في معالجة الأمراض الثقافية المهيمنة على العقل العربي الجمعي, ولها أثرها في إنهاض الواقع المعرفي الذي يقود إلى إنهاض الواقع التنموي عموما.
ينبغي أن ننتقل من طور الشكل والديكورية إلى طور العمل الجاد, فالجامعات لديها إدارات نشر ولكنها لا تنشط في هذا الجانب, ووزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب وغيرها من الجهات التي لها صلة بالكتاب, كلها جهات خاملة وليس لديها مشروع لكيفية دفع رأس المال الوطني إلى الاستثمار في الكتاب, كما تصنع كثير من شعوب الأرض.. فإلى متى هذا العمى¿