الرابöح يبقى وحيدا.. تقنöيةö السرد المشتعل بالنفسö البوليسي
قراءة/ محمد محمد إبراهيم
قراءة/ محمد محمد إبراهيم –
لم يكن كتاب “الرابح يبقى وحيدا” هو الكتاب الأول الذي أقرأه للروائي العالمي باولو كويلو إذ قرأت من قبل رائعته العالمية الرائجة منذ مطلع الثمانينات وهي كتاب “الخيميائي” المستوحى من فكر الثقافة الإسلامية الثرية بقيم الانتماء وتقديس العمل كمصدر للسعادة في وطن هو الكنز وهو الأمل وهو وقود الحياة.. لكنني في كتابه “الرابح يبقى وحيدا” أجد نفسي أمام تقنية سردية أدق وأبرع وأكثر مخيالا مما تتخيله الذاكرة والعقل عن مغزى ومنطقية العنوان إذ يفلسف هذه المرة المال والسلطة والشهرة في أحداث دراماتيكية بوليسية تدور جلها حول بذرة الحب التي تنمو وتتجاوز حد الفöطúرة السوöية لتكون خصúبة لتنامي شهوة الكره والحقد والدمار وبما يبرر لبطل الرواية أن يدمر عوالم كثيرة لكي يبني عالمه السلطوي أو العاطفي أو المالي ولكي يتربع على عرش الشهرة ويحظى باهتمام كل العالم المحيط به يجب أن يكون وحيدا بلا منافس ليجد نفسه أسير الوحدة والوحشة رغم شهرته الواسعة..
الطبقة فوق المخملية
“الرابح يبقى وحيدا ” الرواية الصادرة عن شركة المطبوعات للتوزيع – بيروت حققت مبيعات هائلة والدليل أنها في طبعتها الربعة منذ صدورها في عام 2000 ربما لأن محورها الأساس هو الدوران في فلك طبقة رفيعة تمثل البؤرة البصرية والقيمية للمجتمع كونها صانعة السينما التي أخذت وجدان العالم منذ نشأتها ولم تزل في معظم الدول المتقدمة هي ملاذ الملايين من الجماهير.. فباولو كويلو- حسب تعريف الناشر – يلج بلا تمهيد عالم الطبقة فوق المخملية من مشاهير وأثرياء وأصحاب سلطة ويداهمهم في أصعب اللحظات بلا أقنعة ولا رتوش يرصد سلوكهم وتصرفاتهم حيال محنة يتعرضون لها. يدفع بهم إلينا عراة حفاة وهم الذين يخططون لنا كيف نعيش وإلى أين نخطو. وكم ينبغي لنا أن ننفق من مال وأعصاب وعمر. وهم اللاعبون الذين لا يرون في الحياة إلا متعة الحياة. والذين برغم الضجيج والازدحام – أيضا- يقعون أسرى الوحدة والوحشة..
فلاشات بليغة
” توجد دائما طريقة تسمح للسعادة بالدخول .. الا انه على الشريكين ليحصل ذلك ان يعترفا بوجود مشاكل ولكن البعض يختار الطريق الاسهل وهو الهروب ..”!. في هذا السöياق الدلالي الذي يختصر حبكا وأحداث تتداعي خيالاتها ستأخذك الرواية الى جو بوليسى شيق وتدور هذه الأحداث في ظرف زمني (24 ساعه) وهو مهرجان كان السينمائي ومن خلف الكواليس ينقلك باولو كويلو الى الاجواء الفرنسية التي تعم مدينة كان في أهم احتفالاتها السنوية المرتبطة بمهرجانات. تدور تقنية السارد في هذه الأحداث حول إيغور رجل الأعمال الروسي غريب الأطوار الذي شارك في حرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان مما سبب له مشاكل نفسية معقدة.. ايغور هجرته زوجته رغم حبها الشديد له بعد أن تأكدت من شخصيته الغير متزنة لتتزوج من رجل أعمال شهير من أصل عربي يعمل في مجال الموضة والأزياء. يذهب ايغور إلي “كان” حيث توجد مطلقته مع زوجها هناك ليحاول أن يثبت لها مدي حبه لها ولكن بطريقته الخاصة..
أحداث درامية ومöخúيالú يقترب إلى الأسطوري أو الافتراضي لكنه واقع تدور فيه هذه الأحداث ليحتاج ساردها لـ(500) صفحة تقريبا من القطع المتوسط ليروي مشاهد وتداعيات الرواية حيث أيغور القادم ليستعيد حب زوجته مهما يكن الثمن وبهذه الحبكة وحولها يعبث قلم باولو كويلو مصورا المشاهد مقدما تفاصيلا علمية جنائية مستعيدا تاريخ القتل وأدواته ومحللا خصائص القتلة والمجرمين مثيرا دهشة واستغراب الأمن والطب الجنائي هكذا يمسك باولو كويلو خيوط الرواية المثيرة التي تغيب في تقاسيمها أنا السارد وشاهد العيان.. لتفاجئك رسالته المنطقية والفلسفية بعد سرد أحداث ليست سوى تمثيل درامي بما يريد إيصاله عن ما يدور في التكوين النفسي والاجتماعي لدى الطبقة فوق المخملية التي يعج بها المهرجان.. إذ يقول باولو كويلو : ” تحاول الطبقة الارفع تسويق قيمها .. ويشتكي الناس العاديون من الظلم.. ويحسدون أصحاب السلطة وتؤلمهم رؤية الآخرين يستمتعون .. ولا يفهمون انه ما من احد يستمتع.. وان الجميع قلق ولا يشعر بالأمان وان ما تخفيه الجواهر والسيارات والمحفظات الملآى بالمال ليس إلا عقد نقص هائلة !!”…
هكذا تتأجج ثلاثية السلطة والمال والشهرة ومدى سطوتها على النفوس. وفيها يعرض باولو كويلو عالما نعيش فيه أو يعيش فيه الآخرون. ولم ننتبه يوما إلى أنه بكل هذه الغرابة وهذه الخفايا. مراجعة للحسابات وقفة مع الذات. اكتشاف للداخل في عالم لا يؤمن إلا بالظاهري. جلادون وضحايا. أحلام مدبرة يلهثون خلفها وليسوا يعلمون أن لكل ذلك ثمنا قد يكون باهظا جدا..
باولو كويلو.. سيرة تكوين
تقنيات باولو كويلو السردية تتناهى ابداعا ولغة وخيالا ربما لأن باولو المولود في البرازيل تحديدا فى ريو دي ج