المياه وأمن الغذاء … هم أم وهم اكتفاء… ¿¿¿
م. عبدالخالق علوان
(((الأمن المائي يعد أساسا ومحددا وضامنا لمدى استقرار الإنسان في هذا البلد أو ذاك كون الإنسان هو العنصر الرئيسي في معادلة الحياة التي تشمل متغيرات لا يمكن استبدالها أو إكثار المتاح منها كالمياه ومتغيرات أخرى كالغذاء يمكن استبدالها واستيرادها وتوفيرها بطرق ومناحي شتى))).
تدار المياه في مختلف بلدان العالم بعدة أنماط أشهرها هما إدارة الطلب على المياه وإدارة العرض. ففي حين تركز الأولى على تبني إجراءات وأدوات تقنين الطلب المتزايد على المياه ورفع كفاءة استعمالها نجد أن الأخرى تعمل على زيادة المتاح والمعروض من المياه لمواءمة الطلب المتزايد على المياه. فإذا كان الأمر كذلك فمن المنطقي أن الدول الفقيرة بمصادرها المائية تتبنى النمط الأول لإدارة المياه بينما تتبنى الدول الغنية مائيا بالنمط الثاني مع عدم إغفال كلا الجانبين للنمط الآخر لإدارة المياه في حالة تبنيه لأحد الأنماط المذكورة ومن هنا نشأت فكرة التكامل في إدارة المياه وتبلورت على أنها تبني لمختلف الأدوات والإجراءات وتنسيق مختلف الجهود والتدخلات لإدارة موارد المياه واستخداماتها بتكاملية وكفاءة وفعالية عالية وكذلك الموارد الأخرى ذات الصلة الأمر الذي ينجم عنه تعظيم مستوى الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للسكان شريطة عدم الإضرار بالنظم البيئية وبحقوق الأجيال القادمة في الحصول على كميات مياه آمنة وكافية.
الأمر الذي يدعو للحيرة أن معظم إن لم يكن جميع الدول العربية وفي مقدمتها اليمن ودول الخليج وعدد من دول شمال افريقيا عملت على تبني نمط إدارة العرض خلال الفترة التي امتدت من السبعينات إلى التسعينات على الرغم من أنها مصنفة ضمن الدول الأشد فقرا بالمياه على مستوى العالم مهملة في الوقت ذاته الجانب الآخر الأكثر ملاءمة وأولوية لتبنيه في المنطقة العربية وهو إدارة الطلب على المياه. هذه المحاولة التي امتدت لقرابة ثلاثة عقود أنفق عليها كم هائل من الأموال الضخمة والمقدرات الأخرى لإنشاء أنهر صناعية وسدود مائية وأمطار صناعية واستنزاف رهيب لموارد المياه الجوفية العميقة التي في جلها ما تكون محدودة وغير متجددة….الخ والتي غالبا ما وجهت لتحقيق حلم تحقيق الأمن الغذائي ليس للمنطقة كنطاق واحد وإنما لكل دولة على حدة لتكتشف تلك الدول والحكومات بعد ثلاثين عاما أن ما ظنوه حلما سعوا لتحقيقه لم يتعد مجرد وهم خاطئ الفهم استنفد الكم الهائل من مقدرات الأمة المائية والمالية والبشرية في حصيلة مأساوية أبرز معالمها استنزاف وتلويث ونضوب العديد من الأحواض المائية ارتفاع كلف استخراج وضخ المياه وكلف الغذاء إيجاد سدود مائية نجمت في الغالب عن مشاكل اجتماعية وبيئية ونزاعات مائية جمة …الخ والأهم من ذلك كله هو فقدان إطار زمني مقداره ثلاثة عقود كان من الممكن فيه بناء نظم إدارة متكاملة للمياه بقدرات وبنى مؤسسية عالية وتحقيق استدامة وتنمية شاملة في كل بلد من البلدان العربية.
هذا لا يعني أن التوجه الخاطئ كان مقصودا ولكن الفهم الخاطئ للمفاهيم وعدم الاهتمام بمبادئ وأسس وقدرات التخطيط المتكامل عند البدء أدى بالجميع إلى الأوضاع المائية الراهنة.
فعلى سبيل المثال كان هم تحقيق الأمن الغذائي لدول المنطقة من أبرز الدوافع والمبررات لمثل ذلك التوجه الخاطئ حيث تم تفسير الأمن الغذائي آنذاك في سياق واتجاه فردي (منحرف) مفاده أن كل بلد يجب أن يزرع كل ما يحتاجه وينتج كل ما يحتاجه ويصنع كل ما يحتاجه وكأن كل دولة عالم قائم بذاته مما حول الهم إلى وهم. فلا الأديان ولا مبادئ الإنسانية دعت إلى مثل هذا التفرد فالعيش فعلى سبيل المثال يقول الله جل وعلا (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) فالتعارف في الآية يقتضي التعايش والتبادل والتنافع والتكامل بين الناس من مختلف الأجناس. مثال آخر لو طبقنا هذا النهج على مستوى الأسرة والفرد فهل سيستطيع كل فرد منا أن يزرع غذاءه ويعالج أسرته ويصلح سيارته ويبني بيته وووو الخ فقط ليكون لديه اكتفاء ذاتي وعدم التجاء أو احتياج للآخر¿¿¿!!! أي عاقل لن يتردد عن الجزم بأن هذا جنون ووهم وضرب من المستحيل. وكذلك الحال بين الدول والشعوب يجب أن يكمل بعضها بعضا بحيث يوفر بعضها الغذاء والآخر الكساء وغيرها الدواء ووووالخ.
إذا سلمنا بذلك فيجب علينا إعادة النظر في مفهوم الأمن الغذائي وأن نتناوله في إطار متكامل مع منظومة الأمن المائي أولا. بمعنى آخر أن الأمن الغذائي يتوفر حين تتوفر لك القدرة على توفير الغذاء سواء بزراعته أو القدرة الشرا